الإثنين، 04-11-2019
11:07 م
طه خليفة
من حق إثيوبيا التنمية، ومن حق مصر ضمان أمنها المائي، وكذلك السودان الشقيق.
سد النهضة صار حقيقة،وهو الأمر الواقع، والقاهرة لم ترفضه، إنما فقط لا تريد أن يكون سبباً في الإضرار بحصتها السنوية من المياه ومقدارها 55.5مليار متر مكعب، وهذه الحصة لم تعد تكفي استهلاكها المتزايد بسبب الارتفاع الكبير في عدد السكان (104 مليون نسمة حالياً)، وهذه الحصة تقررت في اتفاق نوفمبر عام 1959 بينها وبين السودان عندما كان عدد السكان في حدود 26 مليوناً، ولهذا تعاني البلاد فقراً مائياً، وسيزداد هذا الفقر بشدة إذا لم تُحل معضلة طريقة ملأ وتخزين إثيوبيا للمياه خلف السد المصمم بطريقة فنية مختلفة عن بقية السدود على نهر النيل،وأنهر أخرى حول العالم، تجعله يحتجز كل مياه نهر النيل الأزرق ويتحكم فيها.
وعلامات عدم كفاية المياه في مصر قائمة منذ سنوات طويلة في الزراعة، كنت قديماً أرى المياه وفيرة، وكان الفلاحون يروون أراضيهم بالغمر، ولا تزال هذه الطريقة مستمرة حتى اليوم في الأراضي القديمة، ولم يكونوا يستخدمون ماكينات رفع المياه من الترع إلى المساقي المتفرعة منها لري الأراضي على جانبيها وفق جدول زمني متفق عليه بين الفلاحين كما هو اليوم، ولم يكونوا يلجأون لحفر آبار مياه ارتوازية للري التي تتزايد منذ سنوات، كانت المياه تندفع بغزارة داخل المساقي من وفرتها في الترع المتوسطة الحجم والكبيرة، وكانت تكلفة الزراعة معقولة، والفلاح كان يعيش في نوع من الآمان، الوضع اختلف حالياً، زراعة الأرض أصبحت مكلفة وعبئاً لهذا يسهل التفريط فيها ببيعها للبناء عليها أو تبويرها.
والذين يعيشون في الريف، و لهم معرفة بزراعة الأرض يدركون خطورة نقصان المياه، وقلقهم يتعاظم مع وجود سد النهضةومع سنوات الملأ التي تريد إثيوبيا أن تكون ثلاثة فقط، بينما مصر تريد رفعها إلى سبعة، وهي محقة في ذلك، وعليها أن تتشدد في إطالة زمن حجز المياه خلف السد حتى لا تتضرر حصتها كثيراً وحتى تمر هذه السنوات التي نرجو ألا تكون عجافاً، ذلك أن 97% من استهلاكها للمياه يأتي من النهر الذي يتدفق منذ القدم ناشراً الحياة على ضفتيه، وكما تريد مصر استمرار هذه الحياة لشعبهاوعدم تهديد حصتها المائية، تريد لإثيوبيا أيضاً حياة وتنمية تنتشل شعبها الكبير سكانا مثل مصر من الفقر والبؤوس.
وبسبب انسداد طريق المفاوضات بعد 4 سنوات من انطلاقها تستضيف العاصمة الأمريكية واشنطن الأربعاء 6 نوفمير 2019 اجتماعاً ثلاثياً لمصر والسودان وإثيوبيا لتحريك الجمود في ملف السد والتوصل إلى حلول مرضية بشأن أزمة قواعد ملأ وتخزين المياه، وهنا تقوم واشنطن بدور الوسيط الدولي الذي تختاره الأطراف عندما تتأزمالمفاوضات كما تنص المادة العاشرة في اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في مارس 2015.
واستجابة أمريكا للوساطة قد يمنح الاجتماع فرصة للنجاح، باعتبار أن واشنطن العاصمة الكبرى في العالموعلاقاتها طيبة مع القاهرة وإديس أبابا، ولها علاقات ناشئة تتجه للتقارب وإزالة إرث الماضي مع الخرطوم في عهدها الجديد بعد إزاحة البشير ونظامه عن الحكم.
كما يحضر البنك الدولي الاجتماع، وكانت مصر طالبت بمشاركته في المفاوضات في فترة سابقة، فالبنك يقع عليه دور مهم في تمويل بناء السد، والأصل أنه طرف دولي محايد لا يجب أن يمول مشروعات تساهم في إيذاء بلدان لها علاقة مباشرة مع هذه المشروعات مثل سد الألفية الإثيوبي، وإطلاع البنك الدولي على مجريات المفاوضات وبنود الخلافات سيجعله يتواجد في قلب العملية كلها، وبالتالي سيعرف بشكل واضح من هو الطرف المعرقل، وإذا استنتج أنه إثيوبيا فإن عليه أن يسستخدم ورقة التمويل للضغط عليها لتخفيف التعنت.
هدف السلام هو الحاضر في موضوع السد، وفكرة الحرب مستبعدة، وهذا تفكير سديد، وقلت ذلك منذ الاجتماع الشهير المُذاع على الهواء خطأً أو عمداً عام 2013 في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي عندما اقترح البعض التهديد بالقوة أو اللجوء لها، ففي الحروب يمكن لأي طرف إطلاق الرصاصة الأولى بسهولة، لكنه قد لا يستطيع إيقاف انهمار الرصاص واستمرار الدماء والدمار.
وعند التفكير في قرارالحرب لا يجب الانتشاء بالقوة، ولا الاستخفاف بالآخر واستضعافه، فالدول في لحظات الحسم والدفاع عن الوجود والكرامة والسيادة الوطنية تجد نفسها مضطرة للمواجهة وتقديم التضحيات.
وقبل أيام قال رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد إن بلاده قادرة على حشد الملايين فيما لو كانت مهددة بحرب من مصر، وسواء كان يقصد تماماً ما يقوله موجهاً رسالة للقاهرة، أم تم اجتزاء تصريحاته حسب ما أوضح بعد ذلك في محاولة منه للتهدئة،فالخلاصة أن تفكير الحرب يجب ألا يكون حاضراً في الذهنية كبند متقدم في وسائل معالجة الأزمة، ووجود الوسيط الأمريكي سيكون ضرورياً في هذه اللحظة، المهم أن يكون نزيهاً.
طالما مصر تقر بحق إثيوبيا في بناء السد وتحقيق آمال شعبها المنتظرة من الخير الذي سيأتي من ورائه،فمن حقها أيضاً الضغط بكل السبل،واستثمار كل ما لديها من أوراق، لإنجاز حلول تبعد عنها شبح كارثة مائية.
....
كلمة خاصة
الكتابة في "المصريون" موقعاً وجريدةً ورقية هو اعتزازي الدائم، والأخوان المحترمان جمال ومحمود سلطان هما نموذجان ًللصحفي والكاتب الوطني الشريف المخلص الأخلاقي النادر في هذه المرحلة غير العادية من تاريخ الصحافة المصرية.