أظن أنه ما من أحد منا إلا وله من صحابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم(صاحب) بعينه له به قربى نفسية وتقارب وجدانى خاص..لكننا جميعا سنجد أن(أبا بكر
الصديق)فوق هذه الحالة..فهو الصاحب القديم و
الصديق الأول الذى له له كل القرابة النفسية وكل التقارب الوجدانى وكل هذا الإحساس العميق بالحب والإكبار والإجلال إنه ثانى إثنين وكفى .. منا من يمثل له عمر الفاروق النموذج الأمثل في القوة والعدل والمبادرة والاجتهاد لأن طبيعته تميل إلى تلك الصفات ..ومنا من يمثل له عثمان النموذج الأمثل في السخاء والحياء ومنا من يمثل له أبوعبيدة الأمانة والفطنة ومنا من يمثل له علىً الشجاعة والحكمة ..
لكننا جميعا يمثل لنا (
الصديق) قيمة متفردة تمام التفرد..ليس لأنه إذا وضع إيمان الأمة في كفة وإيمان أبو بكر في كفة لرجحت كفة أبو بكر كما قال الرسول الكريم بذاك الشىء الذى وقر في صدره..وليس لأنه أبو السيدة عائشة أم المؤمنين وأحب الناس إلى
النبى الأكرم..وليس لأنه صاحب الغار.. وليس لأنه حفظ الأمة بأهم وأخطر القرارات في أهم واخطر الأوقات(جيش أسامة/وحروب الردة/وبدأ الفتوحات/ وجمع القرآن)أو لأنه تلقى الأمانة _خير تلقى_ بيد من
النبى حتى أسلمها _خيرتسليم_ بيد إلى عمر..ليس فقط لكل هذا.. ولكن وهو الأهم لأنه(
الصديق).
وبالفعل ليس هناك وصف بكلمة واحدة هى أجمع لكل خصائص هذا الرجل من كلمة(
الصديق).
****
هذا الكلام شعاع قليل من ضوء كثيف ألقاه الأستاذ
العقاد على أهم شخصية في تاريخ الإسلام بعد نبى الإسلام الذى قال لـصاحبه (لا تحزن إن الله معنا..) وما سمعناها وما أحد منهما حكاها ..بل قالها رب العالمين فى قرآنه العظيم لتكون دمعا وفرحا وروحا وحبا .. وشوقا لمن قال ومن قيل له.
ورحم الله الأستاذ
العقاد في ذكرى رحيله السابعة والخمسين هذه الأيام (1889-1964م) في 13 مارس ..هذا المفكر الكبير الذى حمل رسالة الدفاع والذود عن الإسلام على أقوى وأعمق ما يكون الذود والدفاع.. إيمانا وإعتقادا أولا ثم فهما وبحثا ودرسا ثانيا.. فكان بحق درعا حصينا أمام كل كذبه وافتراء وإدعاء..هل نقول حقائق الإسلام وأباطيل خصومة..هل نقول التفكير فريضة إسلامية..هل نقول المرأة في القرآن..هل نقول الإنسان في القران..هل نقول الفلسفة القرآنية..هل نقول الديمقراطية في الإسلام .. الخ.
وستدهش وأنت تبحث عن هذا الدافع الخفي الذى يسكن أعماق هذا العملاق وهو الشاعر( 10 دواوين شعر)..وهو الأديب الذى لم يترك موضوعا أدبيا أو فكريا أو فنيا إلا وبسط عليه كل أجنحة القول..وأى قول.. ؟ ف
العقاد حين يقرر الاقتراب من موضوع ليقول فيه.. فأعلم أن القول سيكون(كل القول)..أقول تأخذنا الدهشة من قيامه هذه القيامة ليكون بالفعل الدرع الحصين القوى لهذا الدين..
من انتدبه لذلك؟ وما كل هذا الإيمان وكل هذا الحماس وكل هذه العاطفة وكل هذا المداد ؟
****
كان طبيعيا أن يٌهاجم وتنطلق عليه كلاب الحراسة إياها ..وطبعا صاحبنا هنا (ما يتوصاش) رد الصاع بستمائة صاع على دماغ كل صعلوق صعليق متصلعق ..إسمعه وهو يقول: إن فرويد اليهودي حين كتب عن موسى ورينان المسيحي حين كتب عن المسيح لم يصفهما أحد بالرجعية والجمود وحين كتبت (عبقرية محمد) ضاق بها من يضمرون للإسلام الكراهية باطنا وحيث لا يجرؤون على إعلانها ظاهرا..!!
العقاد قال ذلك في أربعينيات القرن العشرين.. وكأننا نسمعه يقول ذلك الأن في القرن الواحد والعشرين .. هل تذكرون الأخ(ياجو)ماذا قال حين قررمجموعة من الشباب إنتاج عمل ضخم عن سيف الله (خالد بن الوليد).. كل ما فعله أنه استبدل كلمتى(الرجعية والجمود) بكلمتى (التطرف والإرهاب) ودقى أيتها المزيكا واسمع عن داعش وبوكو حرام والقاعدة الخ ..
وكل خوفه ورعبه وهلعه ليس من سيف خالد..بل من أخلاق خالد ومجتمع خالد وشخصية خالد أن تجد لها مكانا في خيال الشباب الطامح إلى المثال والنموذج..وعلى فكرة(ياجو)كان أعفن شخصية في مسرحية شكسبير الشهيرة (عطيل).
****
ورحم الله الداعية الطيب السمح الذى ألقى كلاما عن
العقاد ما توقعه أحدا منه أبدا..إذ قال يشير إليه:(أولئك الذين آمنوا بعقولهم ولم تخالط بشاشة الإيمان شغاف قلوبهم..) شغاف..!!؟؟ وهل يملك أحد الحديث عن شغاف قلب أحد ؟ من أين أتيت بالقدرة على الإطلاع على العقول وشغاف القلوب يا سيدنا..ومن أعطاك الحق بالتصريح بإسمهما ؟ وعن من ؟ عن من أثرى المكتبة الإسلامية بـ بما يزيد عن 40 كتابا في رحاب الإسلام وفكر الإسلام ورجال الإسلام ..
كتب
العقاد(عبقرية
الصديق)وعينه على هذا الرجل الرقيق العميق المثقف الودود المحب المحبوب الألوف المألوف وأخيرا الحاد المزاج ..ف
الصديق رضى الله عنه كان من أصلاء المزاج العصبى كما يقول الأستاذ
العقاد والذى يكون صاحبه(شديد التمسك بالأخلاق.. سريع التأثر.. قوى العاطفة.. محب للإعتقاد .. بالغ الحماس في اعتقاده صادقا في وعده..سخى كريم اليد واللسان)..هذه الحزمة الكاملة على فكرة نجدها حولنا في ناس كثيرة ..وبالفعل سنجدهم من أهل الصدق والوفاء.. وإن لم يكونوا بالطبع ك
الصديق الأول ..فمن منكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ كما قال عمر الفاروق.. لا أحد على الإطلاق.
****
تأمل موقفه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حين خطب في الناس بقولته المشهورة أيها الناس:(من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)..لم ينتدبه أحد لهذا الإعلان.. هذه الحقيقة التى ذكرها القرآن وذهب هول الخبر بعقول الناس فلم يتذكروها..لكنه ثانى إثنين ..وليس غيره.. ففعل ما لم يتقدم لفعله أحد..
تأمل موقفه يوم السقيفة حين اجتمع الأنصار لبحث مستقبلهم بعد موت الرسول ..ولك ان تسأل لم كان هذا الاستعجال والرسول الكريم بعد يجهز..؟ سيقول لنا التاريخ : إنه القدرالذى يصنع بعضه بعضا ..كيف ؟
لقد تم حسم الأمر في أقل من ساعة وعلى ما نعلم جميعا كيف تم يومها.. وجاء ثانى إثنين ليحمل أمانة صاحبه والدنيا كلها مفتوحة الجبهات عليه .. ولم يكن لها غيره.. وحملها.
تأمل موقفه من حرب الردة ونصائحه لخالد بن الوليد وهو ذاهب إلى اليمامة ..حروب الردة على فكرة كانت فترة من أصعب الفترات التى مرت على الأمة كلها .. ولك ان تتخيل عمر الفاروق وهو يقبل رأس
الصديق قائلا له بعدها: أنا فداؤك ولولا أنت لهلكنا.. يقول الأستاذ
العقاد وكأن عمر وضع بشفتيه شفاه المسلمين أجمعين على هذا الرأس الجليل حين انحنى عليه بالتكريم والتقبيل..
****
ما كل هذه الثروة النفسية السوية الجميلة الجليلة؟.. ولو تريد أن تتكلم وتتعلم كيف تكون(الصداقة بين الرجال) فأقرأ سيرة هؤلاء الرجال وغوص غوصا في علاقتهم ببعض .. كان
الصديق مرة يتحدث عن عمر.. فسكت وسرح بعيدا وإذا هو يقول: والله إن عمر لأحب الناس إلى ..
كلنا يعلم تألم عمر الفاروق لترمل إبنته السيدة أم المؤمنين حفصة..وهو يريد لها حياة طبيعية كأي امرأة ..فطلب من أبى بكر أن يتزوجها..هكذا !!..أبو بكر كان سر صديقه وصاحبه صلى الله عليه وسلم فسكت ولم يعرف ماذا يقول له ..ولم يرد..وبعد فترة قالها له ثانية ولم يرد..وبعد أيام خطبها
رسول الله..فيذهب
الصديق إلى عمر ويقول له لعلك غضبت منى يومها..؟ فيقول عمر: نعم ..فيحكى له
الصديق علمه بنية الرسول ويقول له :ماكنت لأفشى سر
رسول الله ..وهل تنتظر من المرؤة كلها والحلم كله والنبل كله والحب كله والوفاء كله أن يفشى سر صاحبه؟
يقولون أن الزمان هو مكان الشخصية الإنسانية.. وكان رضى الله (مثقفا) بالمعنى المفتوح للكلمة..ولكل زمان ثقافته.. وأكثر شيء يدل على ثقافة الرجل كلامه ورأيه في كلام غيره _كما يقول الأستاذ
العقاد_ لأن الكلام ليس مجرد صوت ملفوظ ..الكلام هو حالتك النفسية وقدرتك العقلية في نفس الوقت وهوأيضا أوضح دليل على ثقافتك الفكرية والروحية..وهذه حقيقه والمثل يقول(يستقبل الإنسان بملابسه ويطرد بكلامه)..على افتراض أن كلامه خايب ..وإلا فالمظهر يضاف إلى الجوهر(كلامه) ويرفع على الرؤوس..
الصديق رضى الله عنه كان أستاذا في الإثنين ..كلامه ووزنه لكلام غيره..دقة في العبارة والتعبير وذوق رفيع وعالى ولباقة شديدة في الخطاب..وفطنه وسرعه إدراك وبديهة.
كان يروى الشعر ويحفظ الأمثال ومأثور الكلام الجميل وعلم ابنته الحبيبة السيدة عائشة كل ذلك رضى الله عنها . تروى لنا السيرة أن كان الرسول يتمثل بالشعر أحيانا وكان يبدل في أماكن الكلمات حتى لا يقول شعرا صحيحا صلى الله عليه وسلم.. وذات مرة كان يقول البيت الشهير لطرفة بن العبد: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا * ويأتيك بالأخبارمن لم تزوّد..فيقولها (ويأتيك من لم تزود بالأخبار)..فيقول له
الصديق: ليس هكذا يا
رسول الله.. فيقول صلى الله عليه وسلم :أعلم ولكنى لست بشاعر ..
رحم الله الأستاذ
العقاد الذى جرت من تحت قلمه بدائع البدائع في الإسلاميات عقيدة وفكرا وسيرة .