الخميس، 03-12-2020
09:36 م
لا يمكنني أن أنسى فضل
عالم الاجتماع البنيوي "
رولان بارت" ـ 1915-1980م ـ لقد فسر لي مقاله الذي نشره عام 1967 " موت
المؤلف La Mort De L’auteur " ظاهرة المراوحة عند النص
التراثي كما فهمه "
المؤلف" في زمانه ومكانه وليس كما فهمته "أنا القارئ" في زماني ومكاني.
عادة ـ ونحن طلبة في الإعدادي أو الثانوي ـ ما كان يسألنا المدرس في حصة النصوص: ماذا يقصد
الشاعر من بيته أو من قصيدته؟!.. كان علينا ـ حتى نحصل على درجة النجاح ـ أن نجيب عن السؤال بما فهمه مؤلف كتاب النصوص الذي فرضته الوزارة على تلاميذ الصف، وليس بما فهمناه نحن الطلاب من البيت أو من القصيدة!!
بارت ـ باختصار شديد ـ أعلن موت
المؤلف وميلاد القارئ.. مقولته تلك كانت "انقلابا" أخل بكل ما هو سائد من آراء إخلالا زلزلها من الأعماق كما وصفه
الفرنسي جون ستروك في كتابه "البنيوية وما بعدها".
لأنه أحيانا يكون للمؤلف منزلة روحية أو هيبة أو رهبة قد تعيق قراءة النص بشكل مغاير.
"موت
المؤلف" كذلك.. حرر النص من السكون والتكلس وانسداد الشرايين وتجعله بداية لا نهاية .. بداية لقراءات وتأويلات متعددة بلا سقف لها.. إنه إيذان بميلاد القارئ (لكل قارئ فهم للنص يختلف عن غيره من قراء ذات النص).
هذا الاستهلال ـ أو نظرية بارت ـ يكتسب أهميته من سؤال "
التراث".. وما إذا كان مسؤولا فعلا عن استمطار جماعات العنف الديني في العالم الإسلامي الآن.
البعض يرى أن "داعش" وغيرها خرجت من رحم المدارس الفقهية والفكرية الإسلامية القديمة، وأنا ـ عن نفسي ـ ربما قد ذهبت إلى ذات المنحى، غير أن إعادة قراءاتي لمقولات البنيوية خاصة "
رولان بارت" وما بعدها صححت لي هذا الموقف: المشكلة ليست في "النص/
التراث" ولكن المشكلة تكمن في "فهمنا نحن" للتراث.
الإسلاميون أو قطاع ليس بالقليل منهم تعاملوا مع
التراث كـ"نص مغلق".. لمؤلفه هيبة روحية متعالية تردع أية قراءة جديدة له، فيظل معنى النص كما وضعه
المؤلف في زمانه ومكانه "حيا" تتناقله الأجيال المتعاقبة، فإذا سئلنا عما يقصده النص
التراثي، نردد بتلقائية ذات المعنى الذي كتبه مؤلفه منذ عشرات القرون.
ومن هنا خرج الجهاديون المسلحون والدواعش والخطاب الديني المعادي للحضارة والإنسان والعالم.
ف
التراث "مجني عليه" .. والجناة الحقيقيون هم قراؤه، وطرق تدريس مادة النصوص في التعليم ما قبل الجامعي.
والله تعالى أعلى وأعلم