الخميس، 30-04-2020
11:16 م
فراج إسماعيل
يبدو العالم كأنه وصل إلى ذروة أزمة الإغلاق الاقتصادي، رافعا شعار التعايش مع كورونا، والذي يعني ببساطة الاستسلام له وعقد اتفاقية صلح مع أشرس أعداء الحياة الإنسانية على مر التاريخ.
اتفاقية الصلح في حقيقتها اتفاقية إذعان، يفرض فيها فيروس كورونا المنتصر إرادته ووجوده، وترفع البشرية الراية البيضاء مسلمة نفسها لعدو خفي والتعامل معه على أنه قدر ومكتوب.
الدول الصناعية ذوات الاقتصاديات المنتجة الكبرى وجدت نفسها بين خيارين لا ثالث لهما.. الإغلاق الاقتصادي بنتائجه الباهظة التي ظهرت خلال الأسبوعين الأخيرين، بخسارة الملايين لوظائفهم، مع تقرير للأمم المتحدة يهيئ للأسوأ وهو خسارة 25 مليون وظيفة.
الأرقام الاقتصادية التي تخلفها المواجهة مع كورونا بالغة السوء، فالإسكوا وهي لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا تقول إن نحو 1.7 مليون وظيفة ستفقد في الدول العربية خلال العام 2020 وما يعادل 42 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي.
خسائر الاقتصاد العالمي ستتجاوز وفق التقارير الدولية 160 مليار دولار.
مدينة ووهان الصينية ، البؤرة التي انطلق منها غزو كورونا للعالم خسرت الكثير، فهي مركز لأهم شركات تصنيع السيارات وشركات الحديد في الصين، ويقدر حجم اقتصادها بنحو 214 مليار دولار.
في الولايات المتحدة ، بات صوت الملايين المسرحين من وظائفهم يعلو فوق صوت المعركة مع كورونا، وأضطرت إدارة الرئيس ترامب إلى الضغط لمنع الولايات من الكشف والإعلان عن الأرقام اليومية المتعلقة بأزمة البطالة المتزايدة.
وبالفعل توقفت ولايتا أوهايو وكارولينا الجنوبية عن إصدار أرقام يومية.
وزير المالية البريطاني ريشي سوناك قال إن الناتج المحلي الإجمالي في البلاد قد يتراجع إلى 30% خلال الربع الثاني من 2020.
دراسة لمنظمة العمل الدولية ترى أن 24.7 مليون شخص سيصبحون عاطلين عن العمل ليضافوا إلى 188 مليون شخص عاطلين عن العمل في 2019. وحذرت من زيادة البطالة على نطاق واسع، لأن التبعات الاقتصادية لانتشار الفيروس ستترجم إلى خفض ساعات العمل والأجور. وذكّرت بأن خفض إمكانية الوصول إلى العمل ستعني خسارة كبيرة في الدخل للعمال.
لا يتوقف الأمر على الكساد الاقتصادي، فهناك أيضا خطر المواجهات الدولية، كالذي نرى مقدماته بين الولايات المتحدة والصين، فالعظماء عندما يغرقون لا يتعلقون بقشة، بل يريدون تعويض خسائرهم بثمن باهظ.
وقد يتجهون إلى قضم حقوق الأمم الغنية الضعيفة، أي الطمع في ثرواتها على طريقة الاستعمار في العصور الوسطى.
واشنطن قد تلجأ إلى أقرب حلفائها، دول الخليج، لتحصل منها على صيد سهل، أو نزهة لصيد تريليون دولار على الأقل، لتعوض جزءا من خسائرها، وعندها قانون نوبك الذي يتيح ذلك على إثر خسارة شركات النفط الصخري الأمريكية بسبب إغراق الأسواق العالمية بالنفط السعودي الرخيص. هذه الشركات يمكنها رفع دعوى في المحاكم الأمريكية للحجز على الودائع السعودية داخل أمريكا.
موقع أويل برايس oilprice الأمريكي ذكر أن ذلك القانون يسمح بمقاضاة أرامكو والوصول إلى أموالها، كما يسمح بتجميد جميع أموال البنوك السعودية في الولايات المتحدة والاستيلاء على أصولها، ووقف استخدام السعوديين للدولار الأمريكي في أي مكان في العالم باعتبار أن "النفط السعودي مقوم بالدولار الأمريكي.
ويوضح "أويل برايس" أن الكثير من المستشارين المقربين من الرئيس ترامب يدفعون باتجاه تغريم السعودية الثمن.
وحسب الموقع المهتم بأسواق النفط فإن من بين الخيارات المتاحة على الطاولة التلويح بمشروع قانون نوبك.
الخلاصة أن أزمة كورونا لم تعد معركة صحية تعلن فيها الأرقام اليومية للإصابات والوفيات، وهي معركة لم يحقق فيها العلم البشري أي انتصار ساحق منذ أول إصابة في ووهان الصينية وحتى ساعته وتاريخه.
لقد وصلنا إلى حقيقة وحيدة وهي أن سياسة الإغلاق والعزلة الاجتماعية هي الحل الأوحد لتبطيء وتيرة انتشار العدوى، لكنها انتحار جماعي، فمن سينجو من كورونا سيموت من الجوع.
إذن لا بد من الصلح وترك الفيروس لضميره، والناس للأجل والمكتوب.