أزمة الزيادة السكانية.. طفل كل 15 ثانية.. وتوقعات بوصول عدد السكان لـ114 مليونًا بحلول 2030
«صحة البرلمان»: سنجنى ثمار حملات تنظيم الأسرة قريبًا.. ورجال الدين عليهم الدور الأكبر
عضو مجلس نقابة الأطباء: غياب المختصين وراء فشل الحملات
نصير: مَن يحرّم وسائل منع الحمل أو حملات تنظيم الأسرة «جاهل»
«قطاع تنظيم الأسرة»: نستهدف 15 مليون سيدة
الزيادة السكانية، تمثل صداعًا مزمنًا في رأس كل الأنظمة والحكومات التي تعاقبت على حكم مصر، وترى أنها تمثل الخطر الرئيس والدائم أمام كافة المشاريع القومية التي تهدف إلى النهوض بمصر، وعلى الرغم من المحاولات الدؤوبة للتصدي لها، من خلال الحملات الإعلانية التي تتبناها الدولة منذ ثمانينات القرن الماضي، إلا أنها لم تنجح في تحقيق الهدف من ورائها.
وكشف آخر إحصاء حول عدد السكان في مصر صدر في عام 2018 عن ارتفاع عدد سكان البلاد إلى 96.3 مليون نسمة بالداخل، بزيادة قدرها 1.5 مليون نسمة على بيانات آخر تعداد عام 2017، يمثل الذكور 51.6?، والإناث 48.4?.
في الوقت الذي تقوم فيه الجهود في التصدي للزيادة السكانية على فكرة الحملات الإعلانية التليفزيونية، مع اختلاف مضامينها وأبطالها، إلا أنه في النهاية يبقى الهدف منها واحد، بدءًا من "حسنين ومحمدين" وانتهاءً بـ "أبوشنب".
حسنين ومحمدين
لا ينسى المصريون هذا الإعلان التليفزيوني المعروف باسم "حسنين ومحمدين"، والذي كان يقدم على شاشة التليفزيون المصري في ثمانينات القرن الماضي، والذي ارتبط في أذهان المصريين بصوت المطربة الشعبية فاطمة عيد، والذي تقوم فكرته على قصة رجلين هما: حسنين ومحمدين، يظهر الأول حالته المعيشية البائسة بعد أن أنجب 7 أطفال، مقارنة بالثاني الذي اكتفى بإنجاب طفلين فقط، من أجل تحفيز المصريين على أن يحذو حذوه وألا يكرروا مأساة "حسنين" الذي أرهقه كثرة الإنجاب.
"الراجل مش بس بكلمته.. الراجل برعايته لبيته وأسرته"
اشتهرت تلك الحملة في التسعينات من القرن الماضي، وقام ببطولتها الفنان القدير أحمد ماهر، والتي تقوم فكرتها على تقديم توجيه النصح للمصريين من خطر الإنجاب، من خلال ذلك الرجل الذي أثقلته المسئولية بسبب إنجاب الكثير من الأطفال للدرجة التي جعلته ينسى أسماء أبنائه لكثرتهم، وفى النهاية يذكر شعار الحملة: "الراجل مش بس بكلمته.. الراجل برعايته لبيته وأسرته".
"مش بالكترة بنات وبنين.. لأ.. بالصحة ودى بالتنظيم"
اعتمدت تلك الحملة الإعلانية على غناء الموال الشعبي لحث المصريين خاصة في الريف على تنظيم الأسرة، وبغية إيصال الرسالة إليهم بسهولة، من خلالها شعار: "مش بالكترة بنات وبنين.. لأ.. بالصحة ودى بالتنظيم".
"اسأل.. استشير"
حرصت وزارة الصحة من خلال هذه الحملة على تقديم معلومات للسيدات عن حبوب منع الحمل، وحثهن على ضرورة استشارة الطبيب المعالج قبل تناولها وفاعليتها أثناء الرضاعة دون حدوث ضرر للطفل.
"حقك تختار.. ومسئوليتك القرار"
يبدأ الإعلان بشعار: "الخلفة مسئولية والأطفال نعمة من ربنا"، ومن ثم يقدم بعدها قصة تروى على لسان أم لابنتيها عن حياتها ومعاناتها مع والدها الذى كان يحلم بطفل "ذكر" يحمل اسمه، وكان عددهن كبيرًا للدرجة التى منعتهن من استكمال تعليمهن، وتزويجهن مبكرًا. واختتمت قصتها لطفلتيها بأن قطعت عهدًا على نفسها بتربيتهما تربية جيدة وعدم تكرار غلطة جدتهما بكثرة الإنجاب.
" بالخلفة الكتير.. يتهد حيلك وجوزك يروح لغيرك"
استهدفت تلك الحملة المرأة، وقدمت إليها نموذجًا للسيدة التى أنجبت عددًا كبيرًا من الأطفال، ما أثر على صحتها وجمالها بدرجة كبيرة، وبالتالى دفعت زوجها للبحث عن سيدة أخرى أكثر منها صحة وشبابًا.
تنظيم الأسرة بعد الأربعين
أطلقت وزارة الصحة والسكان، حملة موجهة للمرأة لتنظيم الأسرة والتوعية بوسائل التنظيم بعد الولادة بأربعين يومًا، وظهرت فى الإعلان التليفزيونى "الرائدة الريفية" التى توجه النصائح للريفيات.
"2 كفاية"
أما آخر الحملات الموجهة لتنظيم الأسرة، فقد أطلقتها وزارة التضامن في مطلع العام الجاري، تحت شعار: "اتنين كفاية"
وتستهدف الحملة التي تستمر عامين أكثر من 1.1 مليون عائلة فقيرة لديها ما يصل إلى ثلاثة أطفال، من المستفيدات من برنامج تكافل وكرامة، وتم تنفيذه فى 10 محافظات؛ وهى أسوان، والأقصر، وقنا، وسوهاج، وأسيوط، والمنيا، وبنى سويف، والفيوم، والجيزة، والبحيرة، وهى المحافظات التى تزداد فيها معدلات الإنجاب.
ودربت وزارة التضامن ومنظمات أهلية ومتطوعين للقيام بزيارات للمنازل وتشجيع المواطنين على إنجاب عدد أقل من الأطفال.
وتروج لوحات إعلانية في الشوارع وإعلانات يبثها التلفزيون للأسر الصغيرة، إذ تسعى الحكومة إلى خفض معدل الإنجاب الحالي من 3.5 طفل إلى 2.4 بحلول عام 2030.
توقعات بوصول عدد السكان إلى 125 مليونًا فى 2050
على الرغم من المساعي الحثيثة للتصدي للزيادة السكانية، إلا أن عدد سكان مصر واصل الارتفاع ليسجل في أبريل الماضي، 98.520 مليون نسمة، بزيادة تجاوزت 500 ألف نسمة خلال 4أشهر فقط.
وبحسب الساعة السكانية، تأتى محافظة القاهرة فى المركز الأول كأكثر المحافظات سكانًا بعدد 9.821 مليون نسمة، تليها محافظة الجيزة بعدد سكان بلغ 8.950 مليون نسمة، وفى المركز الثالث من حيث ارتفاع عدد السكان، جاءت محافظة الشرقية بـ7.442 مليون نسمة.
فيما توقعت دارسة صادرة عن معهد التخطيط القومي وصول عدد السكان لأكثر من 114 مليون نسمة بحلول عام 2030، على أن تستمر هذه النسبة في الزيادة لتصل بحلول عام 2050 إلى 125.9 مليون نسمة.
ووفق الدراسة، فإن الفجوة بين المعرفة بوسائل تنظيم الأسرة والاستخدام الفعلى للوسائل، يُعد ضمن التحديات التى تواجه سياسات الدولة للحد من الزيادة السكانية، إلى جانب أن معدل التوقف عن استخدام وسائل تنظيم الأسرة –خلال 12 شهرًا من بدء الاستخدام– يصل إلى ما يزيد على 40% فى بعض المحافظات.
بينما حددت وزارة التضامن من خلال مشروعها "اتنين كفاية"، الأسباب الخاصة بزيادة عدد المواليد، والتي تختلف من قرية لأخرى وليس على مستوى المحافظات فقط؛ أبرزها "غيرة السلايف" المنتشرة فى محافظات الصعيد.
فضلاً عن تشغيل الأطفال كأحد الأسباب التى تؤدى لكثرة المواليد، وتعد البحيرة هى أكثر المحافظات التى يستخدم فيها الأطفال كوسيلة للرزق ضمن محافظات المرحلة الأولى للحملة.
وتقول الدكتورة سحر السنباطي، رئيس قطاع تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية بوزارة الصحة، إن "تلك الحملات تهدف لزيادة الوعى لدى المصريين بأهمية القضية السكانية التى تحظى باهتمام خاص من جانب القيادة السياسية".
وأضافت، أن "الوزارة سوف تطلق عدة مبادرات خلال الفترة المقبلة، منها على سبيل المثال "مبادرة الوسام"، التى تهدف لتحسين جودة الخدمات المقدمة فى عيادات تنظيم الأسرة من خلال تحفيز فرق العمل المميز، كما تستهدف تحفيز الأسر على تبنى مفهوم حق الاختيار ومسئولية القرار فى التخطيط لبناء الأسرة النموذجية، من خلال تسليط الأضواء على النماذج الإيجابية للأسر المثالية وتكريمها والاحتفال بها".
وأوضحت السنباطي، أن "قطاع تنظيم الأسرة يعمل جاهدًا على تنفيذ تعليمات الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة من أجل توسيع نطاق خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، حيث يستهدف برنامج تنظيم الأسرة ما يقرب من 15 مليون سيدة فى سن الإنجاب بالتوعية، ورفع الوعى لديهن لتبنى مفهوم الأسرة الصغيرة حفاظًا على صحة الأم والطفل، وحفاظًا على كيان الأسرة والمجتمع والمساهمة فى مشروعات التنمية في المجالات كافة".
وقال النائب سامى المشد، أمين سر لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، إن "حملات تنظيم الأسرة وتحديد النسل لا تعنى بها وزارة الصحة فقط، بل هي فى الأساس عملية توعوية يشرف عليها مختصون، فضلاً عن الدور الذي ينبغي أن تلعبه دور العبادة ورجال الدين، وهو الدور الأكثر فاعلية فى هذا الأمر".
وأضاف لـ"المصريون"، أن "دور الصحة تنفيذى بحت، لذا يجب زيادة التوعية المجتمعية بهذا الأمر، كما أن الإعلام والحملات الدعائية لها دور كبير فى الحد من هذه الظاهرة".
وأوضح أن "عدم نجاح هذه الحملات بالشكل المرغوب، راجع إلى تأثر معظم المواطنين بالعادات والتقاليد الموروثة منذ سنوات، والأمثلة من قبيل: "العزوة فى العيال" وغيرها، فضلاً أن هناك مَن يعتقد أن وسائل منع الحمل، أو حملات تحديد النسل هى حرام شرعًا، لذلك ينبغي أن يقوم رجال الدين بدورهم في زيادة التوعية لدى المواطنين من منظور ديني".
وأشار إلى أنه "على الرغم من ذلك فتأثير الحملات مثل "اتنين كفاية" لن يظهر فى الوقت الحالي، خاصة وأنها انطلقت قبل شهور قليلة".
وذكر المشد، أن آخر إحصائية من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى عام 2017 أفادت بأن إجمالى عدد المواليد بلغ 2مليون و557 ألفًا و440 مولودًا، ومقارنة بهذا العام فالنسبة لم تشهد تغير كثيرًا.
من جانبه، أرجع الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس النقابة العامة للأطباء والطبيب بمستشفى العباسية للصحة النفسية والناشط فى صفوف حركة "أطباء بلا حقوق"، أسباب فشل حملات تنظيم الأسرة وعدم تأثيرها على أرض الواقع لعدة أسباب؛ أهمها عدم الاستعانة بالمختصين من علماء النفس والاجتماع، فضلاً عن اتباع أسلوب "النصيحة المباشرة" وهو الأمر الذي لا يجدى نفعًا مع معظم المواطنين.
وأضاف حسين لـ"المصريون"، أنه "دائمًا ما تأتى النصيحة المباشرة بنتائج عكسية"، ضاربًا مثالًا بحملات الإقلاع عن التدخين والإدمان، "فترديد عبارات "كالتدخين خطر على الصحة ويسبب الوفاة" ليس هو الحل الأمثل، بل يجب إظهار أضرار هذا الأمر، بعيدًا عن النصح المباشر، بجانب العامل الديني؛ لأن هناك مَن يعتقد أن وسائل المنع حرام شرعي، وبالتالى فالحملات التى تحد من النسل حرام أيضًا".
وأشار عضو مجلس نقابة الأطباء إلى أن "ظاهرة الزيادة السكانية لا تقتصر مواجهتها على وزارة الصحة فقط، فهى مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمستوى التعليم، إذ أنه كلما انخفض المستوى التعليمى زاد عدد الأطفال، لا سيما فى الأرياف، لذا على وزارة التعليم أن تعمل جاهدة لزيادة الوعى المجتمعى في التصدي للظاهرة".
وشدد عضو مجلس نقابة الأطباء على أنه "يجب على منتجى حملات تنظيم الأسرة الاعتماد على مهنيين ومختصين فى المجال بشكل أكبر، حتى تكون هذه الحملات أكثر منطقية وذات تأثير بالفعل فى المجتمع".
فى حين أكدت الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، وعضو مجلس النواب، أن "حملات تنظيم الأسرة والحد من النسل ليست حرامًا، وكل ما يتحدث عهن تحريمها فهذا من باب "الجهل" بالدين الإسلامى السمح ومعتقداته المنيرة".
وأضافت نصير لـ"المصريون": "الإسلام يؤيد كل عمل ينهض بالأمة وينظم المجتمع ويرتقى بالعقول، ومسألة الزيادة السكانية هى خطر يهدد المجتمع ويزيد من أعبائه، لذا نحن نؤيد هذه الحملات".
وأوضحت، أن "الحايث عن أن وسائل منع الحمل حرام شرعًا هو "جهل" بديننا الحنيف، فالإسلام مع أى أمر يرتقى بالأمة ويعمل لصالحها".
وذكرت أن "البعض يعتمد فى إصدار هذه الفتاوى على الفهم الخاطئ للحديث الشريف "تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا أُبَاهِى بِكُمْ الأمم يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وقالت إن "الحديث الشريف جاء وقتها فى بداية تكوين الدولة الإسلامية، لذا قيل حينها، لكن المباهاة لا تكون بأمة ضعيفة ومتخاذلة، بل بأمة قوية لها اقتصاد قوى وسبق علمي".
وتابعت أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن "هناك حديثًا آخر يختلط على البعض فهمه أيضًا، وهو "يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله فى قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت"، موضحة: إذا قارنا بين الحديثين سنكتشف الفرق، وأن الإسلام يقيس الأمة القوية بالكيف وليس الكم".
وأشارت إلى أن "هناك قصورًا بقضايا المجتمع من المنظور الديني، ولأن الدين الإسلامى صالح لكل العصور والأزمان، ينبغى على الوزارات والجهات المعنية فى مصر زيادة الوعى حول ضرورة تحديد النسل، ودعم الحملات التى تهدف لذلك".