الإثنين، 06-04-2020
03:58 ص
د. محمد مسلم الحسيني
من بين البحوث والدراسات التي أجريت للتحري عن صفات فايروس كورونا الجديد "كوفيد19"هي تلك التي بينت نقاط القوة والضعف التي يمتلكها الإنسان لمقاومة هذا الفايروس الشرس الذي تبارز رغم تناهيه بالصغر مع أرقى خلائق الله في هذا الكون. تحامل كوفيد19 على الإنسان فأستغل نقاط ضعفه وهاجمها ليبدأ صراعا مريرا معه. نقاط القوة والضعف في ذات الإنسان تتركز في مقدار مناعة الجسم للتصدي لهذا العدو وألخصها بالعوامل التشريحيه، الفسلجيه، الصحيّه والدوائيه التاليه :
أولا : عمر الإنسان، مقاومة الإنسان ضد الجراثيم والأوبئه بشكل عام تتراجع كلما أبتعد المرء بعمره فتبدأ بالضعف المحسوس منذ بداية العقد الخامس من العمر وتتناقص بشكل تدريجي كلما يزداد عمر الإنسان ويتقدم. كوفيد19 يكون أشد فتكا وأكثر خطورة عند كبار السن لأن جهازهم المناعي لا يستجيب بسرعه للطوارىء ولهجمات الكائنات الغريبه المضره التي تهاجم الجسم كالجراثيم على الأغلب. يستغل هذا الكائن غير الحي المسبب لوباء" كوفيد19" ضعف مقاومة الجسم له فينقض على الخلايا الرئويه ويجعلها تكاثره بكثافه، أي تصنع منه أعداد هائله من النسخ، حتى تتحطم وتحررأعداد كبيره من هذه الفايروسات لتلتهم خلايا رئويه أخرى، مع إطلاق كميات كبيره من سموم هذا الفايروس التي تنتشر الى سائر أعضاء الجسد.
ثانيا : حالة الإنسان الصحيّه، دون شك مناعة الإنسان تحكمها حالته الصحيّه العامه أيضا، فالأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنه تقل المناعه لديهم أمام كوفيد19 . المرضى الذين تشملهم الخطوره هم من لديهم أمراض الرئه والتهاباتها المزمنه، والذين يشكون من حالات الربو الشديده، أوالذين يعانون من أمراض القلب وقصوره، أوالسكري والسمنه الشديده، أو السرطانات بإختلاف أنواعها وأسبابها، أو الذين يصابون بحروق شديده وجروح عميقه وغيرهم. هناك أيضا من الناس من لديهم نقصا أوليا أو وراثيا في مناعتهم، جميع هؤلاء تكون المناعه لديهم ضعيفه ويكونون عرضة لمهاجمه هذا الفايروس وحصول المضاعفات.
ثالثا : الأدويه، هناك الكثير من الأدوية التي تضعف مناعة الجسم عند إستعمالها وأهمها مركبات " الكورتيزون" التي يستخدمها المريض في الكثير من العلاجات لأمراض الحساسيّه والربو وبعض أنواع السرطانات وبعض الإلتهابات الحاده وفي خلل المناعه الذاتي وغيرها. كما أن عقار " السايكلوسبورين A" مضعف شديد للمقاومه ويستخدم عادة لمن زرعت لهم أعضاء جديده كي لا يحصل الرفض الجسماني لها. كما بينت الدراسات الجديده أن أدوية إلتهابات المفاصل مثل الـ " بروفين" وغيره تضعف أيضا مقاومة الجسم إزاء هذا الفايروس. كما أن لأدوية السرطانات كالعلاج الكيمياوي والإشعاعي وبعض المضادات الحيويه تعتبر مضعفات أكيده للمناعة .
رابعا : حالة التغذيه، الغذاء المتوازن عند الإنسان يعتبر حاله ضروريه للحفاظ على مقاومته ضد الأمراض، حيث أن الخلل الحاصل في طبيعة التغذيه وتوازنها تجعل الإنسان عرضه للإصابه بالجراثيم على مختلف أنواعها. حاجة الإنسان المتوازنه لكافة أنواع الأغذيه من فواكه وخضروات وحبوب وبقوليات وأسماك وغيرها، تعتبر ضروريه في الحفاظ على صحة الإنسان ومقاومته لأحتوائها على الفيتامينات المختلفه وخصوصا مجموعة فيتامينات BوD وA وC، والأملاح الضروريه التي من شأنها تقوية مناعة البشر بشكل عام. كما يحبذ الإمتناع أو على الأقل التقليل من الدهون والسكريات التي لها آثار سلبيه على المقاومه.
خامسا : فصيلة الدم، أظهرت الإحصاءات الأخيرة في مدينة ووهان في الصين والتي بحثت في عدد الإصابات بكوفيد19 نسبة الى فصائل الدم، أن حملة فصيلة الدم " O " يقاومون كوفيد19 أكثر من باقي فصائل الدم بنسبة 30 بالمائه، بينما حملة فصيلة الدم " A " تكون مقاومتهم للفايروس أقل بنسبة 20 بالمائه عن سائر فصائل الدم الأخرى. ويعزي العلماء هذه النتائج الى وجود مولودات المضاد "Antigens" على سطوح خلايا الدم التي تستقبل الفايروس وتساعد على ولوجه في الخلايا الأخرى.
سادسا : الجنس، بينت المعلومات الوارده من نفس مراكز البحوث المختصه في شأن كوفيد19 في الصين، بان الذكور يكونون أكثر عرضة للإصابه بهذا الفايروس من الإناث بشكل عام، حيث أثبتت الإحصائيات على المرضى تدعمها التجارب على الحيوانات " الفئران"، بأن الهرمون الأنثوي المسمّى بالـ " إيستروجين" يحمي النساء الى حد ما من كوفيد19، كما بينت بعض الدراسات بأن الكروموسوم الأنثوي "ْX" يلعب أيضا دورا في التصدي المحدود لهذا الفايروس نتيجة لفعالية جين خاص مرتبط به .
سابعا : الثقافه الصحيّه : دون شك الثقافه الصحيّه تلعب دورا هاما في التصدي للأمراض بشكل عام والوباءات بشكل خاص. التقيّد بالتعاليم الموجهة في التصدي للوباء أمر ضروري لا مناص منه، وهذا التقيد والإلتزام يقوم على نحو فردي وعلى نحو مجتمعي يرتبط أحدهما بالآخر. بينت وسائل الإعلام الصحيه في كل مكان أهمية مواجهة هذا الوباء على صعيد فردي بتجنب الإحتكاك مع الآخرين، وغسل اليدين مرارا وتكرارا عند لمس أجسام خارج أماكن السكن، وتغطية الأنف والفم بالمناديل أو اليد عند العطاس أو السعال، ولبس الأقنعة والنظارات في الأماكن المزدحمه وغيرها. تصدي المجتمع للوباء أمر أساسي وضروري، حيث أن كوفيد19 مرض مجتمعي بإمتياز، ينقله أفراد المجتمع وينشره جهل المجتمع ويتصدى له وعي المجتمع. منع أماكن التجمهر والتواجد الجماعي بكل أنواعه هو أمر أساسي وضروره قصوى، بث المعلومات الصحيحه عن الوباء وإسقاط البدع والضلالات التي يتكاثر تراودها في أوساط التواصل الإجتماعي والتي قد توهم البعض وتخترق أفكارهم. النظافه وتطهير الأجسام والحاجات التي يمكن أن يلتصق بها الفايروس مهمه فرديه مجتمعيه على حد سواء، حيث أن لهذا الفايروس صفه خاصه وهي إلتصاقه وعيشه لفترات زمنيه مختلفه قد تكون طويله على سطوح الأجسام المختلفه.
ثامنا : الإستقرار النفسي، من مضعفات مناعة الإنسان هي القلق النفسي والوسواس والكآبه والخوف المزمن. ربما ليس من السهل إقناع الناس بالتخلي عن قلقهم في حياة لا تخلو من إرهاصات ودواعي القلق، غير أنه لابد أن يدرك المرء بأن مقاومته للأمراض بشكل عام ولهذا الوباء بشكل خاص تعتمد بشكل ملموس على حالته النفسيه وإستقراره.
تاسعا : التمارين الرياضيه : التمارين الرياضيه وخصوصا في الهواء الطلق ضروره صحيه كي يتسنى للدم التحرك بنشاط وقوه في الأوعيه الدمويه المختلفه في جسم الإنسان. هذا يعني نشاطا في تزويد أعضاء الجسم بكريات الدم الحمراء والبيضاء والتي من شأنها تنظيف الجسم من الأجسام الغريبه والسموم من جهة، وتزويده بكميات كافيه من الأوكسجين وطرح الغازات الضاره منه من جهة أخرى، إضافة الى تنقية النفس من خمولها وكآبتها. كل هذه الأسباب من شأنها تقويه مناعة الجسم وإعانته على التصدي.
عاشرا : الإلتهابات، يعاني الكثيرون من وجود إلتهابات حاده أو إلتهابات مزمنه كإلتهابات الكبد المزمنه في أجسامهم أو غيرها، هذه الإلتهابات قد تكون ناشئه عن بكتريا أو فايروسات أو فطريات أو طفيليات أو ديدان. معالجة هذه الإلتهابات أمر ضروري ومفيد لتقوية مناعة الجسم. ربما تختلف درجات نقص المناعه نتيجة الإصابه بهذه الكائنات غير أن هناك من الفايروسات ما تحطم مناعة الفرد بشكل قاسي وخطير كفايروسات " الإيدز" مثلا.
إحدى عشر : الراحة وعدم الإجهاد، السهر وقلة النوم والإجهاد الجسدي والفكري المستمر تعتبر عوامل مضعّفه للمناعه، فلابد من النوم المبكر الذي من المحبذ ألاّ يقل عن سبع ساعات يوميا لإعطاء خلايا الجسم قسطا ضروريا من الراحه.
أثنا عشر : الأفكار المتطرفه والضاره، كلما تتعرض المجتمعات الى ظروف إستثنائيه تظهر أفكار وردود أفعال يتطرف بعضها بين التهويل والتهوين ويخرج عن سكة الصالح والمعقول! منذ أن أعلن وباء كوفيد19 ونحن نسمع عن عقاقير وأخبار وأفكار قد تصل حد الضلاله. لم تقتصر هذه الامور على بسطاء المجتمع فحسب، بل إمتدت بعيدا الى بعض من بيدهم مصائر شعوبهم! أتفقت كثيرا بعض الرؤى وخصوصا بين الغربيين على أن وباء كوفيد19 هو ليس أخطر من الإنفلونزا الموسميه الكلاسيكيه، ولابد أن يسري بالمجتمع كي تبنى له مناعه مجتمعيه "مناعة القطيع"! هذا التوجه وإن كان يخفي تحت جناحه مقاصد سياسيه إقتصاديه، غير أنه خلق حالة من التهاون والتساهل أمام الإجراءات الأوليه الواجب إتخاذها في التصدي للأوبئه. بنفس السياق أوهمت بعض الجهات المواطنين بإكتشاف أدويه لهذا الوباء وباشرت بنشرها بالإسواق دون معرفه أكيده بطبيعتها وأثرها على المرض أو مضاعفاتها على جسم الإنسان !.
ثلاث عشر : " عواصف السايتوكين"، تنطلق جزيئات "السايتوكين"، وهي المحفزات المناعيه الأولى للجهازالمناعي، بعد مهاجمة البكتريا أو الفايروسات جسم الإنسان. غير أنه في حالات خاصه وخصوصا بولوج مايكروب غريب لا يعرفه الجسم سابقا كما في حالة كوفيد19 حيث يحصل خلل فسلجي يؤدي الى إستمرار إنبعاث هذه المحفزات المناعيه بشكل مكثف وفوق الحاجه، مما قد يسبب هذا تلفا شديدا في الرئه أو الكبد أو كلاهما وقد يؤدي الى الموت. هذا يفسّر بعض الوفيات عند من هم في مقتبل العمر بوباء كوفيد19، مما يحتم على الطبيب المعالج الإنتباه وتفادي مضاعفات حصول هذه الحاله قبل أن تحدث أضرارا كبيره تهدد حياة الإنسان بشكل مفاجىء.
من الفوائد المستقاة من هذه المعلومات هي معرفة الذين هم أكثرعرضة للإصابه بوباء كوفيد19 والأكثرإستجابة لمضاعفاته من جهة، ومن هم الأكثر مناعة والأكبر قدرة للتصدي للمرض والأقل تعرضا للمضاعفات عند إصابتهم به، وذلك من أجل مضاعفة الجهد لحماية الضعفاء وقليلي الحصانة من هذا الوباء ومن مضاعفاته.
* أخصائي علم الأمراض