ربما لم يبك المصريون، فنانًا من قبل، مثلما بكوا الفنان الراحل، هيثم أحمد زكي، الذي وافته المنية مؤخرًا، تعاطفًا مع الممثل الشاب الذي لم يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره، والذي عاش حياة مؤلمة لا تقل ألمًا عن وفاته المفاجئة، فقد عاش وحيدًا، دون قريب يؤنسه، أو يشكو له همه، بعد أن مات والداه وجداه وخاله، وفرقت السبل بينه وبين أخيه لأمه، رامي عز الدين بركات، الذي يقيم مع والده الخبير السياحي بلندن.
وكان أكثر ما أثار أحزانهم، أن أيًا من أقربائه أو أفراد عائلته كان متواجدًا لتسلم جثته من مشرحة زينهم، بعد تشريحها لفحص أسباب الوفاة، وهو ما كان سببًا في تأخر الصلاة عليه، ما دفع الدكتور أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية في النهاية لاستخراج تصاريح الدفن واستكمال إجراءات الدفن والصلاة عليه، في ظل تعذر وجود أي من عائلته.
زاد من مأساوية المشهد، أن أخاه "رامي" لم يتمكن من الحضور إلى القاهرة، بعدما تعذر عليه السفر من لندن إلى القاهرة في نفس يوم الوفاة، وحضر بعد وفاته بيومين، حيث كان في مقدمة الذين تلقوا العزاء فيه.
على الرغم من أن التشخيص الطبي انتهى إلى أن سبب الوفاة المكملات الغذائية التي تستخدم في بناء العضلات، إلا أن ثمة إجماعًا على أن العامل النفسي والشعور بالوحدة كان له الدور الأكبر في الرحيل المبكر لـ "هيثم"، فقد كان لا يخفي حزنه من عيشه وحيدًا بعد افتقاده لأقرب الناس إليه في الحياة.
وكان هيثم تواقًا لأن يلتقي أيًا من أفراد عائلته بعد أن ظل يبحث عنهم لسنوات حتى إنه كلف صديقًا له بالبحث عنهم، حتى يجتمع شمله بهم.
ومن المعروف أن والد "هيثم" النجم الراحل أحمد زكي، هو من مواليد الزقازيق في 18 نوفمبر 1949، وكان الابن الوحيد لوالده الذي توفي بعد ولادته، وتزوجت أمه بعد وفاة أبيه، وتولى جده تربيته، وحصل على شهادة الإعدادية، ثم داخل المدرسة الصناعية، حيث شجع ناظر المدرسة الذي كان يحب المسرح، وفي حفل المدرسة تمت دعوة مجموعة من الفنانين من القاهرة ونصحوه بالالتحاق بمعهد الفنون المسرحية.
وعلى ما يبدو فإن انتقال الفتى الأسمر إلى القاهرة، وسعيه إلى إثبات تألقه، أخذه بعيدًا عن مسقط رأسه، ولم يكن يزور أقرباءه، أو على صلة بهم، وهو ما عمل "هيثم" على تداركه، بعد أن حن إلى دفء العائلة، والبحث عن الجذور، لكن باءت جميع محاولاته بالفشل، بعد أن كلف أحد أصدقائه بتلك المهمة، لكنه لم يستطيع أن يحقق له أمنيته.
يروي "أيمن الحناوي" صديق "هيثم" في تصريحات صحفية، أن الفنان الراحل أنه أجرى بعض الاتصالات مع معارف له بالشرقية لمساعدته في الوصول إلى عائلته، لكن فشلت جميع المحاولات، حتى إنه اضطر في النهاية إلى كتابة منشور على موقع "فيس بوك" يقول فيه: "يا جماعة أنا محتاج أوصل لعائلة أستاذ أحمد زكي في الزقازيق"، وأرفق المنشور برقم هاتفه، على أمل أن يجد من يساعده في تحقيق حلم صديقه الذي توفي دون أن يصل إلى أهله.
غير أنه اضطر لاحقًا إلى حذف المنشور بعد أن نبهه أحد أصدقاء "هيثم" إلى أنه ربما يغضب من ذلك، لكنه في الواقع غضب لإزالته المنشور، لأنه كان حريصًا على أن يصل إلى عائلة والده بأي شكل حتى ولو كان الأمر عن طريق مناشدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
غير أنه توفي قبل أن يعيد نشر الصورة والمناشدة، بينا تفاجأ صديقه بأن أحد أفراد عائلته من الزقازيق يتصل على هاتفه دون أن يعرف كيف توصل إليه، وقال له: "تعبنا كتير عشان نوصل لهيثم".
وقد أقامت عائلة الفنان الراحل في مسقط رأس والده بالزقازيق، عزاءً لتلقي العزاء فيه بشارع شهيد طيار بحي الحسينية.
وكانت المفاجأة في ظهور عمة لهيثم تدعى "إيمان عطية" التي صرحت بأنه لا يوجد من أشقاء الفنان الراحل أحمد زكي على قيد الحياة سوى هي وشقيقتها منى، بعد أن توفي اثنان من أشقائهم خلال السنوات الأخيرة، وعلى عكس ما يشاع إعلاميًا، قالت: "كنا على تواصل دائم مع هيثم للاطمئنان عليه.. هيثم ابننا ولحمنا".