من أكثر الفنانين المصريين الذين أضحكوا الجمهور، بتلقائيته وطريقة أدائه لأدواره، لكنه أيضًا من أكثر الفنانين الذين كانت نهايتهم مآساوية بمعنى الكلمة.
الفنان عبدالفتاح القصري، الذي ترك مسيرة فنية حافلة بالكوميديا، كانت نهايته مأساة إنسانية بكل المقاييس لرجل كان كل همه إسعاد الناس فذاق من بعضهم أقصى ما يمكن أن يتحمله بشر.
«القصري» رجل جعله القدر سببا فى رسم البسمة على الوجوه ثم كال له هذا القدر من صندوق العذاب والهوان مالا يطيقه إنسان وكانت بداية النهاية فى صيف 1962 حينما وقف القصرى على المسرح يؤدى أمام اسماعيل ياسين مشهدا معتادا وعندما هم بالخروج من الديكور الجانبى أظلمت الدنيا فى وجهه فجأة واكتشف الرجل أنه فقد بصره، أخذ يتحسس قطع الديكور وهو يصرخ ( مش شايف) وظن جمهور الصالة أنه جزء من المسرحية فزاد ضحكهم وتصفيقهم للرجل الذى كان يعتصر من الألم وأدرك إسماعيل ياسين أخيرا هول المأساة فأخذ بيده إلى الكواليس.
قدم القصري الذي توفى عام 1964أعمالا كثيرة لا ينساها الجمهور رغم إنه كان دائماً البطل المساعد، إلا أنه استطاع دخول القلب سريعاً، ومن أفلام عبد الفتاح القصري التي لا تنسى "لو كنت غني"، و"سي عمر"، و"أميرة الأحلام"، و"مجد.. ودموع"، و"ليلة الجمعة"، و"لعبة الست"، و"بنت المعلم"، و"ليلة الدخلة"، و"فيروز هانم"، و"حماتي قنبلة ذرية"، و"حسن ومرقص وكوهين"، و"الآنسة حنفي"، و"كدبة إبريل"، و"ابن حميدو"، و"سكر هانم".
تزوج عبد الفتاح القصري من فتاة تصغره سناً، وكانت هذه الزيجة الرابعة له، ولكنه كان يحبها كثيراً ويعتبرها التعويض بعد إصابته بالعمى، وكان القصري لا يوجد له أبناء فتبنى شاب صغير السن يعمل لدى بقال أسفل منزله.
ولكن تفاجأ القصري بأن زوجته تطلب منه الانفصال مبررة موقفها إلى أنها لازالت صغيرة ولا تستطيع العيش مع رجل فاقد البصر، وعندما انفصلا وهي لازالت تعيش في منزله فاجأته بخبر كان بمثابة الصدمة الكبرى عندما قالت له إنها ستتزوج من الشاب الذي يتبناه، وكانت تأخذ أمواله وتصرفها على زوجها، إلى أن صدر قرار من البلدية بهدم منزل عبد الفتاح القصري، وهنا علم كلا من ماري منيب ونجوى سالم بهذا الأمر، فأخذاه إلى القصر العيني ليكشف الأطباء عليه وهنا اكتشف الأطباء ارتفاع في السكر بشكل كبير، فقاموا بعلاجه إلى أن تحسنت حالته قليلاً.
كان يجب على عبد الفتاح القصري مغادرة المستشفى، ولكن لا بيت له، فذهبت نجوى سالم لمحافظ القاهرة والذي أعطاه شقة بحي الشرابية، ولم تكتف طليقته بما فعلته، بل ذهبت هي وزوجها ليعيشا معه في المنزل بعد أن هُدم المنزل القديم.
وفي يوم ذهبت له ماري منيب ونجوى سالم لتزورا عبد الفتاح القصري في منزله وتطمأنا عليه فرفضت طليقته هذه الزيارة وأغلقت الباب بوجههما وقالت إنه في الخارج، ولكن ماري لم تصدق هذا، فعادت مرة أخرى وطرقت الباب ودفعت الطليقة على الأرض ودخلت إلى غرفة القصري لتجد القصري فاقد للذاكرة أيضاً ولم يتذكرها، فأخذته مع نجوى سالم لمستشفى الدمرداش ومكث في جناح خاص على حساب ماري منيب، وظل في المستشفى 15 يوما، ثم نقل إلى مستشفى القصر العيني، وكانت حالته تدهور، وزاره عبدالحليم حافظ، ومحمد الكحلاوي.
وبدأت ماري منيب مع باقي الفنانين بجمع التبرعات من أجل عبد الفتاح القصري لكي يجد ما يعيش منه عند خروجه من المستشفى، ولكن لم يخرج القصري من المستشفى حياً بل خرج متوفياً، وصُرفت هذه المبالغ على جنازته.
يحكي أحد جيرانه في منطقة الشرابية، أنه كان يجلس في بلكونة شقته في الدور الأول ويتسول "ساندوتشات" من طلاب المدارس المارين من أمامه في الشارع كي يزد جوعه.
ستظل قصة عبدالفتاح القصري، شاهدة على غدر الزمان وغدر الصحاب وأقرب الناس الذين تركوه يواجه مصيره المأسوي منفردًا (رحمه الله).