الإثنين 23 ديسمبر 2024
توقيت مصر 04:50 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

لغة لا تموت

جول فيرن ( 1828-1905م ) روائى فرنسى، اشتهر بكتابة قصص المغامرات، ويعد من روَّاد أدب الخيال العلمى، ومن أَشهَر أعماله : رواية ( رحلة إلى مركز الأرض ) التى  تحكى قصة مغامرين اخترقوا طبقات الأرض، حتى وصلوا إلى مركزها ،ولما أرادوا العودة إلى ظاهر الأرض بدا لهم أن يتركوا هناك أثراً يدل على مبلغ ما وصلوا إليه، فنقشوا على الصخر كتابة باللغة العربية .
وقد وقفت فى عدد ربيع الثانى سنة 1351هـ - أغسطس 1932 ، من مجلة الأزهر التى كانت تصدر وقتها باسم "نور الإسلام "، على مقال بعنوان: فضل اللغة العربية، لرئيس تحرير المجلة وقتذاك، وهو الشيخ الجليل محمد الخضر حسين رحمه الله ( 1876-1958م) ، الذى تولى بعد ذلك مشيخة الأزهر. وقد كان مما جاء فى هذا المقال أن أشار الشيخ إلى ما ذكرناه عن تلك الرواية، ثم ذكر أن جول فيرن سُئل عن سبب اختياره للغة العربية ليجعل أبطال روايته يكتبون بها تذكار رحلتهم، فكان جوابه: ( إن اللغة العربية هى لغة المستقبل ) . فقلت سبحان الله كأنه كان يعرف أن هذه اللغة العربية ستبقى حية فى حين قد يموت غيرها من اللغات. وهذا المعنى موافق لما نعتقده نحن المسلمين من بقاء اللغة العربية حيةً إلى آخر الزمان، وذلك أن كل مسلم لا بد أن يعتقد أن القرآن الكريم محفوظ بحفظ الله عز وجل،كما قال تعالى: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )[ الحجر : 9] . ولا شك أن من لوازم بقاء القرآن الكريم بقاء اللغة العربية؛ إذ هى وعاء القرآن الكريم، وهى التى قال حافظ إبراهيم على لسانها –بصدق:
وسِعْتُ كتابَ الله لفظاً وغايةً ** وما ضِقتُ عن آى  به وعِظاتِ
فستبقى اللغة العربية إلى آخر الزمان ،فى حين قد يبقى ،وقد لا يبقى غيرها من اللغات .
وقد استمعت منذ مدة إلى حوار مع أستاذٍ يقول إنه متخصص فى علم جديد يسمى : (علم اللغة الكونى )، فذكر أن الأبحاث الدقيقة لهذا العلم قد أثبتت أن اللغة العربية هى أصل اللغات كلها ، وأنها أيضاً هى التى تبقى حية فى حين يموت غيرها من اللغات . ثم رأيت مَنْ يشكك فى أبحاث هذا العلم ،وربما يشكك فى وجوده أصلاً ، وعلى كل حال سواء صحت تلك الأبحاث أم لم تصح ،فإن ما أشرنا إليه من خلود اللغة العربية وبقائها إلى آخر الزمان مما ينبغى ألا ينازع فيه مسلم لما ذكرناه آنفاً . 
هذا وقد ذكر بعض أهل العلم أن اللغة العربية ستبقى إلى ما بعد قيام الساعة ، وأنها ستكون لغة أهل الجنة ،استناداً إلى حديث أخرجه الطبرانى فى الأوسط والحاكم والبيهقى فى شعب الإيمان ولفظه : ( أحبوا العرب لثلاث : لأنى عربى، والقرآن عربى، وكلام أهل الجنة عربي) .ولكنه لا يصح ،بل أورده ابن الجوزى فى الموضوعات (2/292)، وكذا حكم عليه الذهبى بالوضع فى ميزان الاعتدال : (3/103) وقال : ( قال أبو حاتم: هذا كذب) ، وكذا حكم الألبانى بوضعه فى السلسة الضعيفة ( 160) . لذا فالصحيح أن نسكت عن هذا الأمر ،ولا نجزم فيه بشيء ،وذلك لأن الله تعالى لم يخبرنا – كما يقول الإمام ابن تيمية فى مجموع الفتاوى (4/299): ( بشيء من ذلك ،ولا رسوله عليه الصلاة والسلام ، ولم يصح أن الفارسية لغة الجهنميين ، ولا أن العربية لغة أهل النعيم الأبدى ، ولا نعلم نزاعاً فى ذلك بين الصحابة رضى الله عنهم ، بل كلهم يكفون عن ذلك لأن الكلام فى مثل هذا من فضول القول ). 
هذا والله أعلم 
عبد الآخر حماد