الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
توقيت مصر 12:56 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

رجل استعاد للأمة روحها الحقيقية

تعتبر الدولة الصهيونية أن فتره الحروب الصليبية مادة للبحث والفحص والدراسة لا تنتهي على كل المستويات الإستراتيجية والسكانية والاجتماعية والاقتصادية والجغرافية..كون هذه الحروب أسست ممالك استيطانية إحلاليه دامت قرابة قرنين ثم زالت واختفت وكأنها لم تكن.. كانت من عام(1097م)تاريخ سقوط العاصمة السلجوقيه(أزنك) إلى عام(1293م) تاريخ القضاء النهائي على الصليبين فى صيدا وصور وبيروت على يد سلطان مصر الأشرف صلاح الدين خليل(1276 -1293م).

والحقيقة أننا أولى من اسرائيل بالوقوف كثيرا على هذه الحروب التى تمثل مخزونا لا ينفذ من العبر والاعتبار ..اسرائيل تخشى أن تجرى قوانين التاريخ عليها بما جرت به على  الامارات الصليبية وهو ما سيحدث بالتأكيد إن شاء الله .. ولكن يتوجب علينا نحن أن نعرف تلك القوانين والسنن التى جعلت مجاهدى وأبطال الأمة  يقومون من تحت الرماد  ويطردوا ملوك وأباطرة اوروبا من  أوطاننا ..

***

حين جاءت الحملة الصليبية الأولى كان العالم العربى والإسلامي فى حاله مروعه من التردى والانهيار بين خلافه سنيه(عباسية) فى بغداد وخلافه شيعيه(فاطمية) فى القاهرة وكانت بلاد الشام مسرح دائم لخلافاتهم ومنازعاتهم التى لاتنتهى..زمن طويل من الكراهية والمرارة والنزاع والتصارع والعداء السياسي والعسكري.الى أن وقف الصليبيون على الأبواب.. وخلال عشر سنوات كانوا قد أسسوا أربع ممالك قويه(انطاكيه والرها وطرابلس وبيت المقدس).

وتتحرك أحداث التاريخ لتصعد برجل كان الزمان والمكان شديدي الحاجة إليه وهوعماد الدين زنكى( 1087 -1146م) والذى كان أول من أدرك أن الأمن الإستراتيجي للعالم الإسلامي يكمن فى توحد مصر والشام.. وهى الحقيقة التى يزيدها التاريخ تأكيدا كل يوم.. فبعد توليته على ولاية الموصل عام 1131م اتجه بعينه صوب حلب وضمها اليه,, وبدأ في ترتيب المنطقة على نحو اشعر معه الصليبين بالخطر..فدفعوا إمبراطور بيزنطةالأرثوذكسي عمانوئيل كومينينوس الى مواجهته.. رغم الاختلاف المذهبي المرير بينهما..كون الحروب الصليبية خرجت من الكنيسة الكاثوليكية..ومعروف العداء بين الكنيستين الشرقية والغربية.

لم تنطلي الحيلة على عماد الدين الذي واجه الموقف الجديد هذا بالسياسة والمقاومة.. كانت السياسة فى دب عصا الشقاق بين هذا الأرثوذكسي الطارئ على المعادلة والكاثوليك لب الصراع وأساسه.. والمقاومة باستخدام المجاهدين المتطوعين كرا وفرا علي عمانوئيل,, فلم يورط نفسه فى حرب شاملة معه ,, تلك الحرب التى كان قد حدد هو زمانها ومكانها وأطرافها..وتثمر سياسته تلك ثمرتها فيرحل الإمبراطور الأرثوذكسي..تاركا ورائه كما كبيرا من الاسلحه والعتاد..

***

وكانت هذه الخطوة فى حد ذاتها ذات اثر معنوي هائل على المسلمين الذين سرت فيهم الروح الجهادية العالية واستردوا ثقتهم بأنفسهم ..وعندها بدأ عماد الدين فى الإعداد لضربته الهامة.. وفعلها..واستعاد الاماره الأولى(الرها) 1144م من ايدى الصليبيين بعد استقرارهم فيها أكثر من خمسين عاما ..هو لم يستعد الاماره فحسب انما استعاد للامه كلها روحها الحقيقية.. بعد ان كانت الهزائم تتوالى دون أن يوقفها احد وكأن الجميع مستلبون.. لذلك كان استعاده هذه المدينة بمثابة القطرة الأولى فى الغيث الذى جاء بعدها متتاليا منهمرا بعد أن كان الرعب والاحباط يملأ العالم العربي والإسلامي .

أدرك الصليبيون أن الخطر الحقيقى  يكمن في شخص هذا الرجل وفى الروح الجديدة التى سرت في الناس على يديه فخططوا للخلاص منه شخصيا .. ونجحوا فى ذلك بالفعل ولكن كان السهم قد انطلق .. وكانت الروح التى استولدها عماد الدين من تحت الرماد قد سرت فى الامه كلها..فعادت الى نفسها.

***

سيأتى بعده ابنه نورالدين(1118 – 1174م) والذى كان(سر أبيه) كما يقولون ويجمع كل سوريا على قلب رجل واحد و يرسل اسد الدين شيركوه(1100 -1169م) قائد جيشه الى مصر والذى اصطحب معه بن أخيه صلاح الدين( 1138 -1193م) ,, وتتوالى الأحداث حتى عام 1187م وهو العام الذى يعيه العالم الاسلامى كله جيدا وتعيه اسرائيل ايضا..عام تحريرالاقصى واستعاده بيت المقدس ..

يصف ابن الأثير عماد الدين فيقول (كان شديد الهيبة في عسكره ورعيته عظيم السياسة لا يقدر القوى على ظلم الضعيف وكانت البلاد قبل أن يملكها خراباً من الظلم وتنقل الولاة ومجاورة الفرنج، فعمرها وامتلأت أهلاً وسكاناً، وكان أشجع خلق الله)..

وقد تجلت عظمه سياسته بالفعل فى موقفين من اخطر المواقف التى حاقت به..الأول حين نأى بنفسه عن الصراع بين الخليفه العباسى(المسترشد بالله  1092- 1135)والسلطان السلجوقى(مسعود بن محمد ملكشاه 1108 -1152م) وهوالصراع الذى كاد أن يتورط فيه باعتباره سلجوقيا..ولكن صدقه مع نفسه ومع ربه ألهمه الصواب ..فابتعد عن تلك التوافه والخيبات..وبدا انه غائبا رغم انه كان فى قلب المشهد.

والثانى حين أدارأزمة دخول الإمبراطور البيزنطي(عمانوئيل كومنينوس) طرفا فى الصراع..وأخرجه منه دون أن يهدر قوته معه..فقد أدرك بسلامه بصيرته أن عداوة الامبراطورالارثوذكسى طارئة  وعداوة الصليبيين الكاثوليك دائمة و يكون التعامل معه على هذه الخلفية لا سواها..

تدرك اسرائيل جيدا أن وجودها بيننا مهما طال واستطال فمصيرها هو مصير الحملات الصليبية الى زوال الزوال ونهاية النهاية ..لكن اسرائيل تفعل مثل ما فعل أديب في الاسطورة الشهيرة ..تهرب من مصيرها فيقودها طريق الهروب الى مصيرها ..وها هى تشهد لأول مرة في تاريخها ثالث انتخابات في عام واحد والقادم أسوأ.