الإثنين، 21-12-2020
03:44 م
هذه الصورة تعود إلى أوائل يناير 1988.. في أحد مطاعم جدة بكورنيش شارع
فلسطين، مداعبة لطيفة من الكاتب السعودي المعروف الأستاذ محمد المختار الفال رئيس تحرير عدة صحف يومية كبرى فيما بعد منها
عكاظ والمدينة، ويطل من بعيد أحد ظرفاء الصحافة العربية الكاتب السندباد الأستاذ شريف قنديل، الذي لا تهتز له طرفة عين ولا يتخلى عن جديته وهو يدبر لك مقلبا أو يمارس هوايته في التنكيت فتظن أنه لا يمزح.
كنت منهمكا في أنواع من الأكل البحري حلو المذاق لا أعرف نوعه، فلم يكن لي خبرة وقتها إلا بالقراميط التي نصطادها من ترعة "الحرجة" النجع الذي نشأت فيه غرب النيل. في حضن الجبل الغربي بين نقادة والأقصر.
حفل استقبال مدشن بأنواع لذيذة وغريبة من الأطعمة أقامته لنا الشركة السعودية للأبحاث والنشر التي تصدر
المسلمون وكنت قد التحقت بها توا، و
الشرق الأوسط وأراب نيوز وسيدتي والمجلة وقائمة أخرى من كبرى الصحف التي كانت تتخذ صفة الدولية.
قصة المداعبة أن شريف قنديل اصطحبني بمجرد وصولي جدة في ديسمبر 1987 في جولة داخل سوبر ماركت الفاو وكان الأشهر وقتها في جدة قريبا من ميدان العجلة أو الدراجة.
لشخص قادم من الحرجة حيث رأيت كل شيء مدهشا. استوقفتني في قسم الجزارة عبارة "
الخروف 20 ريال”. سمعني شريف أردد: ايه الرخص ده.. يا حلاوة!. أدرك فورا ما يدور في نفسي فعقب: أي نعم.. وكمان اختار أي حجم!
كان آخر مبلغ تقاضيته من جريدة
الجمهورية مكافأة شهرية 90 جنيها وأول مبلغ ستة جنيهات ونصف ، ولما تعرفت على الأستاذ محمد الزرقاني مساعد رئيس تحرير أخبار اليوم ومدير مكتب
المسلمون في القاهرة استعان بي للعمل في دسك المكتب لإعادة تحرير بعض المواد ثلاث ساعات يوميا بعد أن انتهي من عملي في
الجمهورية حيث كنت أتدرب مع الأستاذ عبداللطيف فايد رحمه الله، وكان الزرقاني يعطيني لقاء ذلك 500 جنيه آخر كل شهر، مما جعلني انتقل من أكل ساندوتشات الفول ثلاث وجبات في مطعم التابعي أو آخر ساعة القريبين من مقر
الجمهورية القديم في شارع زكريا أحمد.
بدأت أعرف طريقي إلى مطعم للحوم في
التوفيقية وآخر على ناصية طلعة حرب، وكان الأستاذ الزرقاني يحضر لي يوميا عندما أصل المكتب وجبة من الكنتاكي الذي لم أعرف نطقها، بل ويوصلني بسيارته إلى سكني في عين شمس الغربية في طريق عودته مع زوجته ابنة المحدث المعروف الشيخ مصطفى الطير والتي كانت تعمل مهندسة .
كان للخمسمائة جنيه فعل السحر في حياتي، فقد استأجرت غرفة مفروشة مستقلة بعد أن كنت أتشارك فيها مع أحد، واقتنيت تلفزيونا صغيرا أبيض وأسود من العتبة، وكان يتبقى الكثير فأضعه في شنطة بيضاء سومسنايت، إلى أن عدت ليلا فوجدت أن لصا كسر باب الغرفة وشق الشنطة وسرق منها ما وفرته تاركا لي عشرة جنيهات أمشي بها حالي!
بعد يوم من التحاقي بالعمل في
المسلمون في جدة قبضت عدة آلاف من الريالات بدل سكن وتأثيت، لم أكن استطيع عد المبلغ لكثرته، وكنت أكتفي بالنظر إليه مرددا: يا بركة دعائك يا أمي. اعتدت منها أن تدعو لي بالرزق الوفير وبزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم.
تسلل شريف خلسة إلى البائع وطلب منه أن يؤكد لي سعر
الخروف 20 ريالا، وهذا ما حدث.
قلت لشريف: أريد أن أعزم فريق
المسلمون كاملا. خروف واحد لا يكفي. خمسة خرفان بمائة ريال.. لكن من يجهزهم.
وهكذا استمر شريف في مقلبه للنهاية إلى أن اكتشفت الحقيقة، وكان مقلبا ظللنا نضحك عليه في اجتماعات التحرير وقعدات السمر.