الأحد 22 ديسمبر 2024
توقيت مصر 20:25 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

مصر أيام الزمن الجميل..

أطفال الصعيد يعالجون على يد القساوسة.. بركة وشفاء

صورة أرشيفية

«محمد سعد»: كان يمشى وراء صوت «النداهة» وهو نائم.. وعولج على يد أحد القساوسة

سيدة مسنة تعانى من آلام شديدة فى ذراعها وتشفى بعد تلقيها علاجًا من الكنيسة

رجال الكنيسة ينشرون البسمة ويوزعون الحلوى على أطفال المسلمين

مستشار الكنيسة: الخدمات موجودة على مر العصور.. وهناك وصية كتابية ملزمة بها

رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر: خدمات محمودة من الكنيسة.. والدين يأمرنا بحسن المعاملة

كان ولا يزال للكنائس المصرية دور اجتماعي بارز في خدمة المصريين، لا يقل أهمية عن الدور الديني الذي تقوم به، تجاه الفقراء والمرضى، من خلال المراكز الطبية التابعة لها، والخدمات العلاجية التي تقدم للجميع، بلا استثناء، مسيحي أو مسلم، لا فرق، يبرز هذا الدور الإنساني في القرى، والمناطق النائية التي تفتقر إلى الخدمات الطبية.

ويتعدى ذلك للعلاج من الأمراض غير العضوية، التي يعتقد أنها تتعلق بالسحر والجان، إذ أنه حتى فترة الثمانينيات كان أطفال ونساء المسلمين، خاصة في الصعيد، يلجأون للكنائس للعلاج من «المس والسحر والربط والخضة»، حيث كانت تخصص الكنائس قساوسة ليعملوا في خدمة المترددين عليها، ومساعدتهم في التغلب على محنهم وآلامهم.

«المصريون» ترصد حكايات عاشها أطفال ونساء -أصبحوا رجالًا الآن- للعلاج من أمراض لم يكن لها دواء سوى «رجال الدين».

يقول «محمد سعد» البالغ من العمر 40 عامًا، من إحدى قرى المنيا، إنه وهو طفل صغير في العاشرة من عمره، كان وهو نائمًا يسمع مناديًا ينادى عليه، فكان يجرى وراء صاحب الصوت وهو نائم ولا يشعر بنفسه حتى يغلبه النعاس، فينام فى أى مكان (أمام منزل بالقرية – فى الطريق – فى الزراعات المجاورة – فى الترع)، حتى أخذته أمه وجدته إلى أقرب كنيسة فوجد القس فى انتظارهم واستقبلهم بمودة وتسامح.

يضيف محمد لـ«المصريون»، أن القس استمع إلى مشكلته وأعطاه بعض التمور والزيت، وقرأ عليه بعض الترانيم والتبريكات، مشيرًا إلى أنه داوم على العلاج ومع الأيام انتهى كل شيء ولم يعد يرى أى شيء فى المنام، وصار هو وأطفال القرية الآخرين كلما مر عليهم القس العجوز يجرون عليه بحب، وهو يستقبلهم باسمًا بالحلوى ونشر الحب والتسامح بين الجميع.

فى بنى سويف، يروي «إبراهيم أحمد»، لـ«المصريون»، تفاصيل ما حدث مع جدته، إذ كان في الصغر يذهب مع جدته المريضة إلى كنيسة «شنرا» بمركز الفشن بمحافظة بنى سويف، وكانت وقتها تشكو من ألم شديد فى ذراعها اليسرى، وكان القس العجوز ذو الوجه الباسم الحنون يستقبلهما بكل ود وتسامح وكرم ويعالجها بالأعشاب.

وأشار إلى أن جدته التزمت العلاج الذي حدده القس لفترة معينة حتى شُفيت -بإذن الله- وذهبت للكنيسة، وقدمت لهم الشكر على حسن صنيعهم معها ومع أهل القرية.

ويتذكر «عبدالعزيز السيد»، من الفيوم، أنه وهو طفل صغير فى مرحلة الثمانينيات كان بالقرب منهم دير للإخوة الأقباط وكان القساوسة يمرون على قريتهم وهم فى طريقهم للدير، وكانوا ينزلون من سياراتهم، ويلتف حولهم أطفال القرية للحصول على الحلوى و«البركة».

ويكمل لـ«المصريون»: كان القساوسة يسألون كل طفل: «تحب تتطلع إيه لما تكبر؟».. «بتروح مدرسة ولا لأ؟» ولما كان كل طفل يقول نفسى أكون.. طبيب- مهندس – مدرس – ضابط – عمدة – شيخ بلد.. إلخ، كان القساوسة يقولون لهم إن هذا لا يكون إلا بالمذاكرة وسماع كلام الوالدين، وأن نكون على خلق ونعرف ربنا، ولا يوجد فرق بين المسلم وأخيه المسيحي».

أما «عاطف محمد» فيتذكر أنه فى إحدى المرات وهو فى مقتبل عمره مع بعض الشباب، أنه لما مرت عليهم سيارة القس الذاهب إلى الدير ناداه بجهل «يا أبوهم»، فنزل القس على الفور من سيارته وذهب إليه ومن معه من الشباب، وقال له بكل رفق: لا تقل مثل هذا الكلام مرة أخرى فما بيننا أكبر بكثير مما تظن، فالإسلام والمسيحية دينا تسامح ومحبة ورفق وحتى لا يسمعك أطفال المدارس المارون بجوارك فيقلدونك دون علم، فتفسد أكثر مما تصلح وصافحه، بعدما اعتذر له ومن معه، وذهب كل منهم إلى طريقه.

فيما لم يشعر «عيد»، رغم أنه مسيحي، ويقيم فى إحدى قرى مركز الفشن ببنى سويف، وهو طفل صغير بأى فرق بينه وبين جيرانه المسلمين، مشيرًا إلى أنه «كان لا يترك إخوته المسلمين من أطفال قريته، يذهبون للدراسة مع بعض.. يلعبون ويمرحون معًا.. يأكلون معا.. يشربون معا.. يتزاورون ويتبادلون الكتب الدراسية ويقرضون بعضهم بعضًا بالقروش والملاليم».

ويضيف لـ«المصريون» أنهم حتى الأفراح والأحزان كانوا يتشاركون فيها جنبًا إلى جنب دون تفرقه أو عنصرية وبكل تسامح وود، لافتًا إلى أن عمدة القرية كان يقضى بينهم جميعًا بالعدل وكلهم أمامه سواسية ويأخذ حق المسيحى من المسلم وينصر الضعيف ويقتص من الظالم فى جو يملؤه الود والتسامح والمحبة بين الجميع.

من جانبها، لا تنسى سيدة من نفس القرية وتدعى «حليمة» أجمل أيام حياتها، حين كانت تتبادل كل شيء مع جارتها المسيحية أم عيادى وكان البيت الذى به طعام يؤثر البيت المجاور وكل بيت يطهو طعامه يذهب ببعضه للجيران بروح متسامحة ومحبة نادرة اختفت للأسف مع الأيام.

وتشير إلى أنه «بمجيء فترة التسعينيات ظهر التشدد الدينى وابتعد الناس عن بعضهم،، وسادت روح التعصب بين الطرفين وراحت الأيام الجميلة وولت، وأصبح المسلم يخاف من أخيه المسيحى، والمسيحى يحذر أخاه المسلم، متحسرين على أجمل أيام عاشوها دون تعصب وتفرقه: «منه لله اللى كان السبب».

ويروى يوسف عمر، تفاصيل صبيحة يوم غائم ملبد كئيب، حيث استيقظ الأهالى مسلموهم ومسيحيوهم على خبر صادم أبكى الجميع وكان بمثابة نهاية مؤلمة لأجمل لحظات وأيام الزمن الجميل، حيث فوجئ الجميع بخبر مقتل القس العجوز المتسامح الوقور، الذى كان يعالج الناس والأطفال والنساء والمرضى مجانًا وكان يسأل عنهم ويدعو لهم بالبركة فبكاه الصغير قبل الكبير والمرأة قبل الرجل.

ويستطرد لـ«المصريون»: «ومن وقتها كل ذهب إلى حال سبيله، وتضاءلت بين الجميع مساحة التسامح والمحبة الموجودة أصلاً ومغروسة فى نفوسهم الطيبة، وهى من طبيعة وأصالة الشعب المصرى الجميل الطيب المتسامح، ولكن تحتاج إلى عقلاء وكبار ينمونها وينشرونها لتعود أجمل أيام العمر بين الجميع متعانقة بين الهلال والصليب، مرددة حديث النبى صلى الله عليه وسلم «أوصيكم بأقباط مصر خيرا فإن لهم ذمة ورحما».. وكما قال المسيح عيسى عليه السلام «جئت بالمحبة فعلى الأرض السلام وبالناس المسرة».

وقال المستشار رمسيس النجار، محامى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إن «الكنيسة القبطية على مر العصور والأزمان تقدم خدمات جليلة للمحتاجين والفقراء والمساكين، وتقوم بهذا الدور في كل زمان وليس فى توقيت معين».

وأضاف لـ«المصريون»، أن «هذا الدور وصية كتابية ملزمة بها الكنيسة القبطية، وفي بعض الأوقات قد يكون معلنًا وعلى مرأى ومسمع من الجميع، وفى بعضها الآخر قد يكون غير واضح، لكن ذلك ليس معناه أنه غير موجود أو لا تقوم به الكنيسة».

وأوضح أنه «قبل ذلك كانت الكنيسة تعقد لجانًا للتبرع وتقديم خدمات كثيرة للفقراء والمرضى والمحتاجين»، متابعًا: «كان هذا الأمر معلنًا وواضحًا والكل يراه، وهذا كما ذكرنا وصية كتابية ملزمة بها الكنيسة».

وأكد النجار، أن «الكنيسة تقوم بهذا الدور حاليًا وما زالت تقدم خدماتها للفقراء والمحتاجين ولكل مَن يلجأ إليها، لكنه غير معلن كما كان سابقًا»، مستطردًا: «هناك حالات قديمة كثيرة تؤكد هذا الدور والآن توجد حالات أكثر، ما يؤكد أنه دور مستمر على مر الأزمان وغير مرتبط بوقت محدد».

وأشار إلى أن «هذا الدور تقوم به الكنيسة على مستوى أنحاء الجمهورية وليس في منطقة محددة، لكن كما أشرنا في بعض الأوقات يكون واضحًا وفى أحيان أخرى يكون غير معلن لكنه موجود».

بينما، قال الشيخ عبدالحميد الأطرش، أمين عام الدعوة ورئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، إن الحياة كلها تعاون والدين حث عليه، حيث يقول الله –سبحانه وتعالى- فى كتابه العزيز: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان».

وأضاف لـ«المصريون»، أن «وقوف الكنيسة بجوار المسلمين وتقديم المساعدة والعلاج أمر محمود ويجب شكرهم عليه، كذلك وقوف المسلمين بجوارهم خلق طيب، وذلك يساعد على نشر المحبة والتسامح».

وأشار إلى أنه يرى ذلك بعينه، لافتًا إلى أنه «توجد كنيسة فى دمنهور بها قسم خاص بعلاج الأسنان، بمجرد دخول الشخص يحصل على العلاج مجانًا ولا يتم تحصيل أى رسوم، وهذا أمر جميل جدًا».

رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ذكر وه بأن الله أمر بحسن معاملة النصارى وعدم التعرض لهم بأى أذى، خاصة أنهم لم يقاتلوا ولا يوجد بسببهم أى مشكلات، مستشهدًا بقول الله فى محكم آياته: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»، كذلك حديث الرسول: «من آذى ذميًا فأنا خصمه ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة».

كما استشهد باحترام كبار الصحابة لأهل الكتاب، ومن ذلك موقف قصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما دخل إحدى الكنائس، قائلاً: «سيدنا عمر بن الخطاب عندما دخل إحدى الكنائس لم يصلِّ فيها، والحكمة من فعلته هذه كانت خوفًا أن يرى المسلمون صلاته فيصلون فى ذلك المكان، وبالتالى تضيع حقوق أصحاب الكنيسة».