في الوقت الذي أعلن فيه الفلسطينيون اليوم النفير إلى المسجد الأقصى، بعد أيام من إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب عن خطته للسلام في الشرق الأوسط، المعرفة إعلاميًا باسم "صفقة القرن"، يؤمن المسلمون بأن ما يحدث الآن في فلسطين قد أنبأ به القرآن قبل أكثر من 1400 عام، وأنهم يومًا سيستعيدون السيطرة على أولى القبلتين وثالث الحرمين.
وهذا ما تطرق إليه الإمام الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي في خاطرة قرآنية حول قول الله تعالى: "وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا"(الإسراء: 104)، إذ يشير إلى أن المتأمل لهذه الآية يجد بها بشارة بتحقق وعد الله، ويجد أن ما يحدث الآن من تجميع لليهود في أرض فلسطين آية مرادة لله تعالى.
ويوضح أن "معنى الآية أننا قُلْنا لبني إسرائيل من بعد موسى: "اسكنوا الأرض"، وإذا قال لك واحد: اسكُنْ فلا بُدَّ أن يُحدد لك مكانًا من الأرض تسكن فيه فيقول لك: اسكن بورسعيد.. اسكن القاهرة.. اسكن الأردن. أما أن يقول لك: اسكن الأرض!! فمعنى هذا أن الله تعالى أراد لهم أنْ يظلُّوا مبعثرين في جميع الأنحاء، مُفرِّقين في كل البلاد، كما قال عنهم: "وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا (الأعراف: 168).
وتابع الشعراوي في سياق حديثه عن اليهود: "فتجدهم منعزلين عن الناس منبوذين بينهم، كثيرًا ما تُثار بسببهم المشاكل، فيشكو الناس منهم ويقتلونهم، وقد قال تعالى: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ" (الأعراف: 167)".
واستطرد: "وهكذا سيظل اليهود خميرة عكننة ونكَدٍ بين سكان الأرض إلى يوم القيامة، وهذه الخميرة هي في نفس الوقت عنصر إثارة وإهاجة للإيمان والخير؛ لأن الإسلام لا يلتفت إليه أهله إلا حين يُهَاج الإسلام، فساعة أن يُهَاج تتحرك النزعة الإيمانية وتتنبه في الناس".
ومضى الشعراوي إلى القول: "إذن: فوجود اليهود كعنصر إثارة له حكمة، وهي إثارة الحيوية الإيمانية في النفوس، فلو لم تُثَر الحيوية الإيمانية لَبهتَ الإسلام".
وأشار إلى أن "هذه هي رسالة الكفر ورسالة الباطل، فلوجودهما حكمة؛ لأن الكفر الذي يشقي الناس به يُلفِت الناس إلى الإيمان، فلا يروْنَ راحة لهم إلا في الإيمان بالله، ولو لم يكُنْ الكفر الذي يؤذي الناس ويُقلق حياتهم ما التفتوا إلى الإيمان. وكذلك الباطل في الكون بعض الناس ويُزعجهم، فيلتفتون إلى الحق ويبحثون عنه".
وفي إشارة إلى "وعد بلفور"، الذي منح اليهود وطنًا قوميًا في فلسطين، يلفت الشعراوي إلى أنه "وبعد أن أسكنهم الله الأرض وبعثرهم فيها، أهاج قلوب أتباعهم من جنود الباطل، فأوحَوْا إليهم بفكرة الوطن القومي، وزيَّنُوا لهم أولى خطوات نهايتهم، فكان أن اختاروا لهم فلسطين ليتخذوا منها وطناً يتجمعون فيه من شتى البلاد".
ومضى: "وقد يرى البعض أن في قيام دولة إسرائيل وتجمّع اليهود بها نكاية في الإسلام والمسلمين، ولكن الحقيقة غير هذا، فالحق سبحانه وتعالى حين يريد أن نضربهم الضربة الإيمانية من جنود موصوفين بأنهم: "عِبَاداً لَّنَآ.." (الإسراء: 5) لا يستطيع المسلمون أن يجابهوهم في كل بلد من بلاد الدنيا، أي في الأرض جميعها، لكن إذا أراد الله أن يضربهم الضربة، يأتي إليهم بفكرة التجمع".
وخلص إلى القول: "إذن: ففكرة التجمُّع والوطن القومي التي نادى بها بلفور وأيَّدتها الدول الكبرى المساندة لليهود والمعادية للإسلام، هذه الفكرة في الحقيقة تمثل خدمة لقضية الإسلام، وتُسهل علينا تتبعهم وتمكننا من القضاء عليهم؛ لذلك يقول تعالى: "فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (الإسراء: 104).