الأحد، 08-12-2019
01:08 م
محمد الخضيري
الحضارة العثمانية شئنا أم أبينا صاحبة فلسفة وقوة، وتلك الفلسفة أو الطريقة التي يتفق ويختلف حولها الناس، وقع منهاظلم طال أبرياء كُثر، وهذا بفعل فلسفة الإندفاع المتواصل، والحقيقة أن الأخوة الأتراك لا يُفضلون الإعتراف أو الحديث في هذه الأمور "فالمحاسن عندهم تغطي المساوىْ"،ولا ينبغي أن يتحدث أمثالنا الأقل عن قامات تاريخية وقيادات امتلكت القوة والسطوة،ولا يجوز أيضاً أن نلمح بأمور تخص العقيدة الإسلامية مثل "تقديس السلطان والقتل باسمالسلطة" والذي جعل بعضهم يقتل الأقارب والأبناء والأصدقاء، وهو جانب مظلم من تلك الفلسفة، وترجع هذه الحوادث إلى تفشي طرق الوشاية بشتى أشكالها ، حتى في ظل وجود ثلة من العلماء والفقهاء الأكابر والصفوةأمثال "ابن العربي" والعالم المربي "آك شمس الدين" والذي تشرفت بالصلاة في مسجده، والسلطان المعظم "محمد الفاتح" الذي قمت بزيارة ضريحه والدعاء له قبل 10 سنوات، والسلطان "عبدالحميد الثاني" رحمه الله ومواقفه التاريخية المشرفة.
مسألة تلميع "الحضارة" دون ذكر نبذة عن جرائم وأخطاء ضد الأبرياء أمر غير منصف، حيث تم قتلهم دون محاكمة، وكذلكتهميش فئة بعينها، كما ظهر بعضها في النسخة الأخيرة من مسلسل "أرطغرل" 2019، وهو محشو برسائل مشفرة موجهة للغرب وأمريكا، ورسائل توجيه وإرشاد للحركات الإسلامية تدعوها للإنتقام من خصومها بالقوة والحيلة، فكلمة "الخيانة" هي الأكثر انتشاراً، وكلمة "انتقام" هي الأعلى، وكلمة "ظالم" الأكثر تكراراً في بعض الحلقات.
سيقولون (أصمت أيها العدو) فـ مسلسل "أرطغرل" تسبب في دخول مواطنين من المكسيك في الإسلام" ؟!..
حقاً.. هذا أمر رائع، لا أحد ينكر كم العاطفة والحبكة الدرامية للمسلسل، ولكن المواطن "المكسيكي" لا يعلم تفاصيل تزييف التاريخ وإساءة "قيامة أرطغرل" وتهميش سيرة الناصر "صلاح الدين الأيوبي" وذريته، هذا ما يهمنا نحن، فهو محرر القدس من أيدي الجيوش الصليبية بقيادة ريتشارد قلب الأسد وقادة أوروبا، وكان صلاح الدين يعمل على "لم الشمل" وليس نشر الفرقة وشق الصف والهتاف الدائم "انتقام.. انتقام"!!
يا سيدي.. من يكره توثيق انتصارات المسلمين في أعمال درامية، لكن في رأيي المتواضع أن النصر الذي تحقق على يد حاكم مزق أجساد أقرب الناس إليه هو نصر (غير مبارك)، هل سمعت عن صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم قتل عياله لمنازعته على كرسي أو لمجرد الوشاية والتشكيك في النوايا؟!، إذا كان الحاكم يقتل أولاده فماذا إذن فعل بمعارضيه؟!، لا يبارك الله عمل تخللته الدماء والغدرات، والدليل على ذلك لمن يريد البحث والتدقيق والربط التاريخي العميق، سيكتشف بأن ثمة فتوحات قام بها هؤلاء الحكام، تعد الآن أبرز مناطق التآمرعلى المسلمين في العالم، وبها مراكز أبحاث كبرى تصدر توصيات وتقارير سنوية لحياكة المؤامرات ضد بلادنا الممزقة أوتوماتيكياً ومناهج دراسية للأطفال تعمل على تشويه صورة المسلمين– والتخويف منهم ونشر "الإسلاموفوبيا"!
وأظن أنه مهما كانت الضغوط التي يتعرض لها الحاكم الراشد والذي يؤمن بالله الواحد، فلابد له أن لا يوغل في دماء الناس وأن يدرك بأنه مسؤول، حتى لا يأتي أمثالي بعد ألف عام يتحدثون عنه بهذا القدر من السخط، فالقتل المباشر ينبع عن جهل بالإنسانية والفطرة السليمة وهو نتاج "تفكير غير سوي"وإن صورته المسلسلات كجزء من الحسم و القوة، فهل ستنفعهم المسلسلات "يوم الحساب"؟
من يتولى السلطة لا يجب أن يوغل في دماء الناس بحجة "حسم الأمور"..
على الجانب الآخر، ستجد بلاغة الأخوة الأتراك وأتباعهم في صد الدراما العربية كــمسلسل "ممالك النار"، عليهم أن يدققوا قليلاً، هل كانت عندهم "ممالك الحق".. أم أنها كلها كانت "ممالك النار"، الجميع الآن يجيد النقد ضد الآخر، والأتراك لديهم وجهة نظر عن التزييف في الدراما العربية، ولكنه للإنصاف (تزييف في مقابل تزييف)، وعلى الجميع أن ينظر بعمق وسيكتشف أنه "كلما دخلت أمُة إلى الدراما.. لعنت أُختها".. وسيظل الحال كما هو حتى يأذن الله بظهور الحقيقة كاملة كما يريدها هو عز وجل، وليس كما نريدها نحن.