الخميس 21 نوفمبر 2024
توقيت مصر 18:37 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

في الصحافة والعلماء..

سجال العلماء

مداخلة شيخ الأزهر بشأن الرؤية التي طرحها الدكتور محمد عثمان الخشت من أقوى ما خرج من شيوخ الأزهر على مدى تاريخه، فهي قوية سياسيا في وقت كانت مؤسسات القوة التي تقود السياسة العربية تؤخر عشرات الخطوات إلى الوراء في صمتها أو تعليقها على مسرحية إهانة العرب والمسلمين وتقرير مصير مقدساتهم ومدنهم وأرضهم بواسطة الثنائي نتنياهو وترامب. عبر الشيخ الإمام عن شعوره بالخجل من ذلك دون أي اعتبار لموازنات سياسية ضجرنا منها وأسقطت لنا كل كرامة،
مداخلة فضيلته أيضا كانت علمية، بدون توتر وبتقدير كامل لقيمة الطرف الآخر العلمية الذي كان يجب أن يحرص على الإعداد الجيد لكلمته في مؤتمر علمي يحضره علماء كبار، فبعض مما ذكره، وليس هذا تكرارا لمداخلة الشيخ، يخرج عن المنهجية العلمية لباحث كبير ننتظر منه الحياد والموضوعية وعدم اختلاق مواقف تتماهى مع ما يريده بعض الإعلام وبما يحقق مصالح السياسة.
وكانت المداخلة في جوانب أخرى تمثل فهما مستنيرا من شيخ مثقف ودارس وعالمي، يقرأ ويتعمق في علوم العالم بلغاتها الأم التي يجيدها بحكم معرفتي به كابن لبلدي أو منطقتي.
في النهاية كانت إقرارا بحالنا اليوم، فنحن نصرخ من التراث بينما نحن فاشلون في المعاصرة بدون أن يكون التراث سببا في ذلك، فنحن لا نستطيع أن نصنع إطار سيارة. نستورد كل شيء، ولم يبق إلا أن نستورد ما نقيم به علوما جديدة بدلا من العلوم التي نريد هدمها بدلا من تجديدها.
بقي القول إن تلك المداخلة التاريخية من رأس أعلى مؤسسة دينية سنية في العالم، ليست مفاجئة أو جديدة من الشيخ الطيب، فقد كان موقفه وطريقته في استقبال الرئيس الإيراني أثناء حكم الإخوان، معبرة عن شخصية فريدة تتمسك بعلمها وبمكانة الأزهر وتضع صحيح الدين فوق كل السياسات والموائمات.
المداخلة لم تقصد التقليل من مكانة الدكتور الخشت العلمية ولا من أبحاثه الرائدة ومكانته المرموقة، على العكس فقد كانت درسا في حوار العلماء وألقهم الأدبي والأخلاقي، وهو ما انعكس أيضا على مداخلة الخشت بعد ذلك، وعلى رقيه في تفسير ما قاله وإعادة شرحه.
كم افتقدنا هذا النوع من السجال العلمي الرفيع.