«القومى للاتصالات»: شبكة اتصالات غير مرخصة تقوم بالترويج للشركات
الرئيس السابق لـ «تنظيم الاتصالات»: المواطن هو أول من يساعد على تسريب بياناته عن طريق «أبلكيشن» المولات والمطاعم
خبير تقنى: البيانات الشخصية للمواطنين أصبحت على المشاع وبيع البيانات الشخصية الأكثر ربحًا فى الوقت الحال
إدارة غرفة تكنولوجيا المعلومات: أستبعد تورط شركات الاتصالات الأربعة.. وتطبيق القانون الجديد ينهى على فوضى تسريب وتجارة البيانات
يرن جرس الهاتف، أو تأتيك رسالة، فتسارع للرد على المتصل، وتقرأ الرسالة، قد يبدو الأمر عاديًا لدى البعض، خاصة وأنه يستقبل العديد من الرسائل والاتصالات اليومية، لكن الكثيرين لا يخفون تذمرهم واستياءهم من تلك الرسائل والاتصالات المزعجة، والتي يرونها تمثل انتهاكًا لخصوصيتهم، والتي تكون في الغالب مصدرها إحدى الشركات التي تعرض خدماتها على شخص قد يبدو في تلك الأثناء مشغولاً أو حتى نائمًا.
وباتت الاتصالات والرسائل التي تصدرها شركات إبادة الحشرات، وشركات بيع فلاتر المياه، ومنظمو الحفلات الفنية، ودور العرض السينمائية، مصدر إزعاج للكثيرين من مستخدمي الهواتف المحمولة، الذين استقبلوا بارتياح الحكم رقم 647 لسنة2019، الذي أصدرته المحكمة الاقتصادية الأسبوع الماضي، بتغريم إحدى شركات إبادة الحشرات مبلغ 900 ألف جنيه.
وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تطبيق قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 وللمادة 25 الخاصة بحماية حرمة الحياة الخاصة للمواطنين من الرسائل النصية المزعجة، التي يقوم بإرسالها عدد من الشركات، وعلى الأخص شركات إبادة الحشرات.
"محمد مصطفى"، طالب في كلية الحقوق، واحد من هؤلاء الذين لطالما أبدى استياءهم من الرسائل المتطفلة، لكن الأمر في حالته لا يتعلق بإحدى شركات مقاومة الحشرات المنزلية، وإنما بالدعوة لحضور إحدى الحفلات الفنية لـ "الأسطورة"، وهو لقب الممثل، محمد رمضان، الذي اتجه للغناء في الحفلات خلال الفترة الأخيرة.
يتحدث مصطفى لـ"المصريون" مبديًا تذمره من الرسائل التي تصله على هاتفه، قائلاً: "هناك رسالة دائمًا تأتيننى وهى موعد حفل الفنان محمد رمضان القادم، وأماكن حجز التذاكر أو كيفية حجزها إلكترونيًا، وتأتيننى من رقم يظهر لى باسم mohammed ramdan )".
يعلق على ذلك: "لا أعلم من أين أتى "الأسطورة" برقمى، وعلى الرغم من عدم تفاعلى مع الرسالة إلا أنها تأتيننى مع كل حفلة جديدة له، والمحير فى الأمر أننى لم أحضر أى حفلة غنائية من قبل وليس لى اهتمامات بالفن".
ومن الشكوى من رسائل "محمد رمضان" إلى "نهى رمضان"، ربة منزل المقيمة في إمبابة، التي تشكو من سيل من الرسائل المتكررة لشركات إبادة الحشرات، المزعج في الأمر أنه لا حرمة لديهم فى توقيت الإرسال، لأنهم يرسلون فى أى وقت، كما تقول.
فى السياق، قال سيد يونس، والذي يعمل سباكًا، ويقيم في منشأة القناطر، إن "شركات بيع فلاتر المياه تطاردنى عبر الرسائل النصية أو الاتصال فى أى وقت دون أى استئذان، والمريب فى الأمر أنهم يعرفون اسمى ومهنتي، وعند سؤالهم من أين أتيتم بكل تلك المعلومات لا يجيبون؟".
ويبقى السؤال: من أين أتت تلك الشركات بالأرقام والمعلومات الشخصية؟ وكيف يتخلص العملاء من إزعاجها المستمر؟.
وفي أحدث قضية من هذا النوع، تم تغريم إحدى شركات إبادة الحشرات في الأسبوع الماضي 900 ألف جنيه، نظير استخدامها أحد الأنظمة في إرسال الرسائل الترويجية مجهولة المصدر.
وقال مصدر مسؤول بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في بيان السبت الماضي، إن المتهمين قاموا بإنشاء شبكة اتصالات دون ترخيص باستخدام جهاز توصيل الإنترنت مع البرنامج الموضوع على جهاز الحاسب الآلي الشخصي في إنشاء تلك الشبكة، واستخدامها فى خدمة الرسائل الجماعية وإجراء الاتصالات دون ترخيص، وتقديم خدمة إرسال الرسائل الجماعية، وكذلك منح البيانات الشخصية إلى نظام إلكترونى، وذلك للترويج عن السلع والخدمات دون الحصول على موافقة هؤلاء الأشخاص.
وقال هشام العلايلي، الرئيس السابق للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات لـ"المصريون": "المصدر الرئيسى للحصول على هذه الأرقام والداتا هو المواطن نفسه، عن طريق تسجيل بياناته فى الأبلكيشن الخاص بأى محل من محلات التسوق، من أجل الدخول على سحب لجوائز أو الحصول على عروض تخفيض عبر رسائل الإس إم إس".
وأضاف: "هناك مصدر آخر للحصول على الأرقام والبيانات الخاصة بالمواطنين، وهو الشركات الوسيطة التى تبيع الداتا، التى تحصل عليها عن طريق الأكسس الخاص بالبيانات".
ونصح العلايلى المواطنين، بأن "يكونوا أكثر إيجابية، بعدم الاستجابة لمثل تلك الرسائل وعمل "بلوك" للأرقام التى ترسلها، والتقدم فورًا بشكوى للجهات المختصة، ومنها جهاز حماية المستهلك، وشرطة الإنترنت، والجهاز القومى لتنظيم الاتصالات".
في الإطار ذاته، قال المهندس وليد جاد، رئيس مجلس إدارة غرفة تكنولوجيا المعلومات، أن "تبادل البيانات الشخصية شهد فوضى غير مسبوقة بمصر خلال الآونة الأخيرة، وقد حان الوقت لضبطها من خلال القانون، الذي أقر منذ أسبوعين، وتم تطبيقه لأول مرة الأسبوع الماضي، على ضوء الحكم الذي أصدرته المحكمة الاقتصادية، بتغريم إحدى شركات إبادة الحشرات 900 ألف جنيه، لإزعاجها المواطنين عبر رسائل "إس إم اس"، واستخدم بياناتهم الشخصية بطريقة غير شرعية دون استئذان".
وأضاف لـ"المصريون": "أعتقد أنه كلما تم تطبيق القانون، والتوسع فى إضافة ما يستجد على الساحة من أشكال استغلال البيانات الشخصية، سوف تختفى تلك الفوضى، التى لا تتواجد فى الدول المقدمة، وكل البيانات سوف تجمع بما فيها مجموعات الواتساب المغلقة، التى يتم تسريب أرقام وبياناتها، لاستخدامها بشكل مخالف للقانون".
وتابع: "أشك أن يكون لشركات الاتصالات الأربعة، أى دور فى تسريب تلك البيانات، لكن من الجائز أن يكون هناك موزعون أو متعاونون معها من الخارج، يتهاون بالقانون، أو تطبيقه، لكن التشريع الجديد سوف يستخدم أساليب فنية وتكنولوجية جديدة لضبط المخالف الأصلى، الذى سرب البيانات، سواء كان موظفًا فى مول تجارى أو مدير جروب واتساب أو أحد المشارين فيه، أو موظف الـ "إتش آر".
من جانبه، كشف الدكتور حسام عبدالمولى، رئيس الإدارة المركزية للشؤون الفنية بالجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، أنهم اكتشفوا أن هذه الشركات تحصل على أرقام العملاء من بعض البنوك ومن شركات الاتصالات، خاصة الأرقام التى يدفع أصحابها فواتير عالية.
وأشار في مداخلة تليفزيونية إلى أن "هناك بعض من يسرب بيانات العملاء المميزين".
بدوره، قال أحمد شعبان، مسؤول شكاوى الاتصالات بجهاز حماية المستهلك، إن "المواطنين بإمكانهم تقديم بلاغات بشأن "الرسائل المزعجة"، التى تصلهم من شركات التصويت عبر هواتفهم الخلوية من خلال "حماية المستهلك".
واستبعد في مداخلة تليفزيونية، أن تكون شركات الاتصالات الكبرى وراء تسريب أرقام العملاء للشركات، التى تُرسل الرسائل النصية المزعجة لهم، موضحًا: "لم نتلقَ بلاغًا يتهم فيه شركة بعينها، كما أن هذه الشركات لن تضر بسمعتها بسبب هذه الممارسات".
ورجح "شعبان" أن تكون البيانات قد سربت عن طريق شركات المقاولات والسمسرة التى تمتلك قاعدة بيانات كبيرة للمواطنين.
فى السياق، قال غنام محمد، خبير أمن المعلومات بإحدى الشركات الكبرى المتخصصة فى مجال الأمن التكنولوجي، إن "بيع البيانات الشخصية، والداتا الخاصة بالمواطنين، تعد الأكثر ربحًا فى وقتنا الحالي، نظرًا لتعدد استخدام تلك الداتا، وفائض ربحها الوفير، وقلة المجهود المبذول للحصول عليها أو التسويق للأشخاص".
وأضاف: "مصادر الحصول على قواعد البيانات فى مصر كثيرة، أشهرها مثلاً مطاعم الوجبات الجاهزة، التى تحصل على بياناتك كاملة عند الاتصال بهم لطلب وجبة طعام، تصلك من خلال خدمة التوصيل للمنازل "الدليفري"، وفى بعض الأحيان يتم الاتفاق بين إدارة المطعم وشركة التسويق لبيع هذه البيانات، مقابل منفعة متبادلة؛ مثل الترويج للمطعم أو عمل حملة دعائية مجانية له، أو يتم تسريبها عن طريق أحد الموظفين المفصولين، الذى يريد أن ينتقم من إدارته السابقة".
وتابع لـ"المصريون": "أيضا مسؤولو مكاتب شؤون العاملين فى الشركات والمصانع والمؤسسات الكبرى، التى تملك قوى عاملة كبيرة، وفى شتى ومختلف المجالات، حيث يكون هناك ملفات بأرقام هواتفهم جميعًا وعناوينهم، وصور لبطاقاتهم الشخصية وتفاصيل رواتبهم, وتلهث شركات الدعاية خلف موظفى (الإتش آر) وتغريهم بجميع صور الإغراء حتى يبيعوا لهم بيانات الموظفين".
وأشار إلى أن "كل تلك البيانات أصبحت على المشاع ومملوكة لأكثر من شخص، فمن الممكن أن تعيد الشركة، التي حصلت عليها، إرسالها لأى مؤسسة تسويق أخرى تعمل فى مجال مختلف عنها، أو تستبدلها بقاعدة بيانات أخرى، أو تسلمها لعميل لديها، وهكذا تصبح سلسلة غير منتهية من تبادل تلك البيانات".
وأكد "غنام"، أن "هناك طريقًا آخر مهمًا تحصل منه تلك الشركات على بيانات المواطنين، وهى سحبها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أو مواقع الإنترنت التى تطلب من العملاء ترك أرقام هواتفهم وتسجيل بياناتهم، ويتركها العميل بنية حسنة دون أن يدرى أن هذه البيانات تستخدم فيما بعد لملاحقته من شركات فى مجالات مختلفة.
وخاض محرر "المصريون"، تجربة للحصول على أرقام لأشخاص من خلال التواصل مع شخص يدعى "محمد ع"، ويعمل في مجال التسويق الإلكتروني، اتفق معه على، شراء 2000 رقم جوال فى منطقة محددة بالإسكندرية، للترويج عبر رسائل "واتساب" والـ "إس إم إس"، لأكاديمية رياضية للأطفال، فكان رده: "محتاج أرقام سيدات أم رجال وحدد السن لأن كل شىء بثمنه، ولو الأرقام مزودة بخاصية واتساب الحساب يختلف".
وكانت قائمة الأسعار كالتالي: 1000 رقم سيدات بـ 450 جنيهًا، والألف رقم رجال بـ 350، ويضاف مبلغ100 جنيه مصرى فى حال كانت الأرقام مزودة بـ"واتساب"، ومبلغ 350 جنيها فى حال قام المسوق بإرسال رسائل الترويج للأكاديمية عن طريق البرامج التى يستخدمها دفعة واحدة.
وانتهت العملية بأن محرر "المصريون" حول مبلغ 450 جنيهًا للمسوق، الذى قام بدوره بإرسال ملف "excel "، بداخله 1000 رقم هاتف جوال لرجال من المنطقة المتفق عليها مسبقًا، ومقابل كل رقم الاسم والمهنة، بعد 7 ساعات من تحويل المبلغ عبر خدمة الكاش.
ومن خلال دردشة ودية بين المحرر والمسوق، توصلت "المصريون" إلى أن الأخير سحبهم عن طريق برامج من صفحات "فيسبوك"، دون المزيد من التفاصيل.
وتقدمت النائبة مايسة عطوة، عضو مجلس النواب، طلب إحاطة مؤخراً لوزير الاتصالات بشأن انتشار عمليات النصب عن طريق رسائل الهاتف المحمول، بعد أن تلقت رسائل مجهولة على هاتفها من بعض المحتالين.
وأكدت أن تلك الرسائل هدفها خداع المواطنين والنصب عليهم، وعلى المواطنين ضرورة الإبلاغ عن هؤلاء المحتالين، وتقديم شكوى لجهاز تنظيم الاتصالات لضبطهم.
وقالت: "لا شك أن هناك من يغذى الشركات الدعائية أو شركات المسابقات الوهمية بأرقام العملاء، هذا فضلاً عن وجود تسريب لبعض الأرقام من داخل شركات الاتصالات، ومن ناحية أخرى هناك اتصالات يتلقاها بعض المواطنين تخبرهم بالفوز برحلات عمرة مجانية، تطالبهم بضرورة الحضور لأماكن معينة لاستلام الجائزة".
واستدركت: "هنا يقع المواطن ضحية لعملية نصب كبرى، ولا شك أن البسطاء، ومن لديهم تطلعات بالثراء السريع هم أول ضحايا هؤلاء المحتالين، ولا بد من تفعيل دور وسائل الإعلام وتوعية الناس بخطورة التعامل مع الرسائل المجهولة، التى تعد سلاحاً ذا حدين فهى تهدف للسرقة واستغلال المواطن بأعمال ضد مصلحة البلاد".
وحذرت النائبة، المواطنين من الوقوع فى عمليات النصب والإدلاء ببياناتهم الشخصية أو الرد على هذه الرسائل، وهو ما قد يؤدى إلى وقوعهم فى مشاكل عديدة، تتمثل فى استغلال تلك البيانات من قبل بعض المحتالين فى أعمال غير مشروعة، ما يعرضهم للمساءلة القانونية.