الإثنين 21 أكتوبر 2024
توقيت مصر 09:26 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

«الشيخ الحصري».. قصة «عنقود العنب» الذي يأكل منه الناس حتى الآن

فضيلة الشيخ محمود خليل الحصري

ما من أحد نشأ على حب سماع القرآن الكريم، إلا وارتبطت أذانه بإذاعة القرآن الكريم، وبالصوت الأشهر عبر أثيرها، الشيخ محمود خليل الحصري، صاحب التلاوات القرآنية الرائعة، والذي كان أول من سجل المصحف المرتل، وأول كذلك من سجل المصحف المعلم، فضلاً عن عمله في لجنة مراجعة وتصحيح المصحف بالأزهر.

قد يكون هناك من هو أعذب صوتًا من الحصري من مشايخ القراء المشهورين، لكن يبقى هو الأول بلا منازع في مقدمة المقرئين، الأتقن أداء، والأكثر التزامًا بأحكام قراءة القرآن، الذي كان يتلوه بالقراءات العشر التي كان يحفظها عن ظهر قلب، وله تلاوة مسجلة بـ "رواية ورش"، وهو الوحيد من بين المقرئين الذي تفرد بقراءتها عبر أثير الإذاعة أيضًا.

كان انتساب "الحصري" إلى القرآن، قارئًا ومعلمًا، تتويجًا لبشارة رآها والده القروي البسيط، الذي كان يعمل في صناعة الحصر في صورة عنقود عنب يتدلى من ظهره، ويأتي الناس جماعات ليأكلوا منه، من دون أن ينفد، فلما قص الرؤيا التي تكررت مرارًا على أحد الشيوخ وقتها نصحه بأن يلحق ابنه الصغير "محمود"، وكان عمره عامين وقتها أن يلحقه بالأزهر، وسيكون له شأن كبير.

ذهب "الحصري" المولود في عام 1917 إلى الكتاب في قرية شبرا النملة بمحافظة الغربية في سن الرابعة، واستطاع أن يحفظ كتاب الله في سن الثامنة، كان ذلك ببركة عمل والده "الحصري" الذي كان يتفقد المساجد، حتى يفرشها بالحصر، وكانت الحال في ذلك الوقت بسيطة في الريف، حيث كانت الكثير من المساجد لا يتم فرشها، أو يتم الاكتفاء بقش الأرز، فيبادر إلى فرشها بالحصر الجديد، وهكذا كان دأبه، فنال بركة هذا العمل في ابنه الذي نشأ محبًا للقرآن، وأصبح الأبرز بين المقرئين في العالم الإسلامي قاطبة.

في طفولته، كان يتوجه "الحصري" من قريته إلى المسجد الأحمدي بطنطا، وعندما بلغ الثانية عشر التحق بالأزهر، وانتظم في الدرسة بمعهد طنطا الأزهري، وتعلم القراءات العشر في الأزهر، حيث حصل على شهادة في "علم القراءات"، وتفرغ لدراسة علوم القرآن، وفي ذلك الوقت بدأ يقرأ القرآن في مسجد القرية، وفي المناسبات العامة والمآتم.

ويمكن القول إن الإذاعة المصرية التي بدأت البث رسميًا في 31 مايو 1934 هي فاتحة خير للحصري وغيره من المقرئين عمومًا بعد أن انطلقت أصواتهم عبر الأثير إلى العالم أجمع، وكانت انطلاقة شيخ المقرئين من خلالها في عام 1944، عندما تقدم إلى امتحان الإذاعة، وجاء ترتيبه الأول بين المتقدمين، وفي 16 نوفمبر من ذلك العام، أذيع أول تسجيل له على الهواء.

وفي عام 1961، كان الحصري أول من سجل المصحف المرتل في العالم برواية حفص عن عاصم، واستمر في القراءة منفردًا عبر أثير الإذاعة لمدة 10 سنوات، كما كان أول من سجل القرآن برواية ورش عن نافع في عام 1964، وأول من سجل القرآن برواية قالون، ورواية الدوري عن أبي عمرو البصري في عام 1968، وأول من سجل المصحف المعلم في عام 1969، وأول من رتل القرآن بطريقة المصحف المفسر.

كما أنه أول من رتل القرآن في الأمم المتحدة في عام 1977، وكان كذلك أول من رتل القرآن في القصر الملكي بلندن في عام 1978، وأول قارئ للقرآن في البيت الأبيض، وقاعة الكونجرس الأمريكي.

وهو أول من نادى بإنشاء نقابة للقراء الكريم في مصر، لضمان سبل العيش الكريم، كما أنه نادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن الكريم في جميع مدن وقرى مصر.

ومن أجل أن يحفز أبناءه على حفظ القرآن، كان الحصري الذي تزوج في عام 1938 يقوم بإعطاء كل من حفظ سطرًا واحدًا منه "قرش صاغ" إضافة إلى مصروفه اليومي، ومن يريد زيادة كان يسأله عما يحفظ، فإن تأكد من حفظه أعطاه زيادة في المصروف، كما يقول أحد أبنائه، فقد كان يؤكد لهم على ضرورة حفظه، حتى نحظى برضا الله، ثم رضا الوالدين، فنكافأ بزيادة المصروف، فخرج جميع أبنائه حفظة للقرآن.

ومع ما كان يتمتع به صوته من خشوع وحسن طلاوة كان يجذب حتى أسماع غير المسلمين إليه، حتى إنه كان سببًا في إسلام العديد من الأجانب، ففي عام 1965 قام بزيارة إلى فرنسا أسلم خلاله عشرة فرنسيين بعد أن سمعوا تلاوته لكتاب الله.

وتكرر ذلك أثناء سفره إلى الولايات المتحدة في عام 1970 موفدًا من وزارة الأوقاف للجاليات الإسلامية بأمريكا الشمالية والجنوبية، وبعدها بثلاث سنوات، قام بزيارة ثانية لقن خلالها الشهادة لـ 18 أمريكيًا أسلموا على يديه.

وأوصى "الحصري" في آخر حياته بأن يتم تخصيص ثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم وحفاظه، والإنفاق في كل أوجه الخير والبر.

وكانت تلك الوصية التي أوصى بها رحمه الله قبل وفاته في 24 نوفمبر 1980، سببًا في اعتزال ابنته "أفراج" التي اشتهرت باسم "ياسمين الخيام"، بعد احترافها الغناء لسنوات طويلة، وهي الآن تشرف على مؤسسة الحصري، التي تنشط في الأعمال الاجتماعية والخيرية.