الخميس، 14-01-2021
11:56 م
المحاماة مهنـةُ علميةُ حـرة مستقلة، يصلح لها كل شخص عرف أحكامها، فهـير تشارك
السلطة القضائية شراكة فعليـة، كصمام أمان لأية أمـة (إحقاق الحق وتحقيق العدل).
فلا يمكن أن يقلل أحد من أهمية
المحامي وضرورة الرجوع إليه ليس فقط عند إنشـاء أو إبرام التصرفات القانونية وإنما في اغلب أمور الحياة لاسيما أن حيـاة الإنسان المعاصر تفيض بالألغام التي يستلزم الأمر اتقاءها وتفاديها بدلًا من معالجة ضحاياها بعد وقوع الانفجـار.
وإن اهمية عمل
المحامي أمرُ يقتضي تعامل الآخرين معه على نحو يليق بدوره في حياتهم أو في المجتمع، فهو يستمد مكانته من هذا الدور المفترض بسمو قصده، أو في تعامله مع الآخرين على نحو يحفظ للمهنـة سمعتها ووجاهتها اللصيقة بها، فلا تنفك ولا تنفصل عنها، فسمعة
المحامي وقـوده في الميـدان.
فسمعـة
المحامي تعد حتميـة تاريخية ترتبط بالمهنة منذ القدم لسمو رسالتها ورفعة شأنها المتمثل في المساهمة في تحقيق العدل بنصرة المظلومين ورد الحقوق المغتصبة لأصحابها بإسماع صوتهم للعدالة وتقوية حجتهم ودفع كيد الظالمين عنهم، فلا يمكن أن تكون مهنة
المحاماة شرفًا يعتز بها كل منتسب إليها دون التمسك بهذه المباديء والأهداف النبلية وإن اقترن بها الرغبة في الكسب والسعي بقصد الرزق، وقد سبقنا في قول ذلك لويس الثاني عشـر ملك فرنسا (لو لم أكن ملكاً على فرنسا لوددت أن أكون محامياً).
إلاّ أنه مما يحز في نفوس
المحامين المخلصين لهذه المهنة ولرسالتها هو سلوكيات بعضهم التي نتج عنها الإساءة إلى سمعة
المحاميـن عمومًا وليس إلى أنفسهم فقـط، فلا يمكن حصر هذه السلوكيات لكثرتها ونحيل بشأنها إلى الواقـع المعروف لكل محام غيور على نفسه قبل أن يكون غيورًا على زملائه وعلى المهنة عمومًا.
ف
المحامي إذن؛ ليس كما يتصور بعض أبناء المهنة الذين أساءوا إليها أنه ماكينة صناعتها الكلام، فتغزل لمن يدفع خيوط الحق أو الباطل، مستعينًا بعلمه لينصر باطل موكله على حق إنسان آخر، فالمهم عنده الحصول على الأتعاب بأي نهج أو بأي طريقة في جذب القضايا أو العمل لمكتبه ثم لا يولي القضية ما تستحقه من بحث ودراسة والتزام بحضور جلساتها ويسيء إلى صاحبها وسمعته وسمعة المهنة ويمثل اعتداءً صارخًا على القيـم.
كما أن دور
المحامي لا يعني طمس الحقيقة أو تضليل العدالة أو إفساد الأدلة خاصة أن جوهر عمل
المحامي هو تكليف بالأداء وليس تكليف بالنتيجة لكن العمل بهذا الاسلوب كلَف كل
المحامين جميعهم بنتائج وإن كانت غير مشروعة لصالح موكليهم كمقابـلِ للحصول على الأتعاب، وهذا التجاوز أوصلنا فعليًا إلى تغير شعور الكثير من الناس بالسخط على المهنة.
.
وفي ظل ما سبق اصبح
المحامي الذي يرغب في تحقيق رسالة
المحاماة خلال عمله بالمهنة هو الضحية الحقيقيــة فهو في مواجهة منافسة رخيصة وغير شريفة من زميله فيما يظهر من أسلوب تعامله مع موكليه الذين يرون
المحامين عمومًا نفس نظرتهم إليه، يرونه بوصف لا يقبل أن يتصف به محامِ بعدما حصل على أتعاب القضية إلاّ أنه أخل أو قصّر في أداء واجباته غائبًا عن إدراك آثار أفعاله، مضيعًا ومهدًرا الحقـوق.
إن كنا نريد أن نرى أنفسنا في الواقع، فهو يقرر أن نوع
المحامين الذي يسيئون إلى سمعة المهنة كل يوم في ازدياد، فأصبحت حقوق
المحامين تُغتال ويرجح أحيانًا باطل الآخرين على حق
المحامي سواءً في العرف الاجتماعـي بنهش سيرة
المحامين في الأعمال الدرامية أو الفنية وبين الناس في الحياة اليومية ووصفهم بأسوأ الصفات أو أمام أشخاص كُثـر ممن يتعامل معهم
المحامي خلال امتهانه مهنته في المصالح الحكومية أو الهيئات القضائية على اختلافها، فيقف
المحامي الحر المستقل النظيف وهو القماشة الأصيلة لمهنة
المحاماة في مصـر عاجزًا منعقد اللسان رغم فصاحته وحجته وبرهانـه وينكسر قلبه مهما كانت رباطة جأشه.
ونهاية لكي تتحقق المكانة اللائقة للمحامين ونصل بها إلى المستوى المأمول، فلابد ألاّ نعزل أنفسنا عن واقعنا وعن أسئلته وأن نعتقد اعتقادًا تامًا أن الحرص على سمعة
المحامي في المجتمع ليس كلامًا نظريًا بدافع الكلام فقط أو إلقاء الشعارات على الناس، فهذا اعتقاد خاطيءُ لأن سمعة
المحامي أداة أساسية من بين أدواته، فيجب على النقابة أن يكون لها دور في تزويدها لمن يفقد هذه الأداة الهامة سواء بالخبرات بالتقارب والتحاور الفكري بين الأجيال أو حتى بالعقاب الشديد حال الخروج عن مقتضيات المهنة.
محمـد جلال عبد الرحمن
محـامِ وكاتـبُ وحاصـلُ على جائـزة الدولـة في العلـوم الرقمية.
ايميـل:
[email protected]