خلع النقاب عن طالبة أثناء زيارته لأحد المعاهد.. وعاد ليؤكد أن أنه «حرية شخصية»
كان من أشد الرافضين للغزو الأمريكي للعراق ودعا الشباب إلى مقاومته
دعا عقب اندلاع انتفاضة الأقصى المسلمين لزيارة المسجد الأقصى
أجاز التحاق الفتيات بالكليات العسكرية والجيش.. وقال إن المرأة «تصلح لأن تكون رئيسة للجمهورية»
تصدى لمحاولة الحكومة تقليص الأزهر وزاد عدد المعاهد إلى 8آلاف
لم يسلم أي من شيوخ الأزهر من التعرض للهجوم، وإن اختلفت درجة الهجوم من شيخ لآخر، والدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الراحل أحد هؤلاء الذين تعرضوا لانتقادات لاذعة بسبب آرائه المثيرة للجدل، وإن لم ينف ذلك كونه أحد أبرز العلماء الذين أنجبتهم مصر خلال المائة عام الأخيرة، وأحد أشهر المتخصصين في تفسير القرآن وتدريس علومه.
فقد اشتهر الشيخ الراحل بآرائه المثيرة للجدل، منذ أن كان مفتيًا، وأشهرها فتواه الخاصة بإباحة الحصول على فوائد من البنوك، مختلفًا في الرأي مع الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر وقتذاك، وفي المقابل كان من أشد المدافعين عن الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط، وربطته على مدار سنوات طويلة علاقة متميزة مع القيادات المسيحية في مصر، وكان من أصدقائه المقربين البابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط الأرثوذكس.
مسيرته العلمية
أثرى الراحل المكتبة الإسلامية بالعديد من المؤلفات، كان أبرزها: "التفسير الوسيط للقرآن الكريم"، الذي يقع في 15 مجلدًا، وأكثر من 7 آلاف صفحة، وطبع منه عدة طبعات آخرها عام 1993، إلى جانب غيرها من الكتب والمؤلفات للشيخ الراحل، ومنها "بني إسرائيل في القرآن الكريم"، و"الحوار في الإسلام والاجتهاد في الأحكام الشرعية"، و"أحكام الحج والعمرة"، و"الحكم الشرعي في أحداث الخليج"، و"الجهاد من الرؤية الشرعية".
كانت ولادته في قرية سليم الشرقية بقرية سُليم الشرقية – مركز طما – محافظة سوهاج في 28 أكتوبر 1928م، وكعادة أهل الصعيد التحق وهو طفل بأحد كتاتيب القرية، وتلقى تعليمه الأساسي وأتم حفظ القرآن الكريم فيه، ومن ثم التحق بمعهد الإسكندرية الديني في عام 1944م، وبعد انتهاء دراسته الثانوية التحق بكلية أصول الدين وتخرج فيها سنة 1958م ثم حصل على تخصص التدريس سنة 1959م، ثم حصل على الدكتوراه في التفسير والحديث بتقدير ممتاز في 5 سبتمبر1966.
عين مدرسًا بكلية أصول الدين عام 1968، ثم عميدًا لكلية أصول الدين بأسيوط عام 1976، ثم عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين عام 1985، ثم مفتيًا للديار المصرية في 28 أكتوبر 1986، ثم عين شيخًا للأزهر في 27 مارس عام 1996، وخلال عمله بجامعة الأزهر أعير إلى جامعتي بغداد والبصرة خلال الفترة من 1966 إلى 1969، ثم إلى الجامعة الإسلامية بليبيا من عام 1972 إلى 1976، ثم رئيسًا لقسم التفسير بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من عام 1980 حتى 1984.
أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، ولعلها من المفارقة أن يكون أحد تلامذته الدكتور عمر عبدالرحمن، الزعيم الروحي للجهاديين في مصر، فقد أشرف أثناء عمله عميدًا لكلية أصول الدين بأسيوط على رسالة الدكتوراه الخاصة به، التي جاءت تحت عنوان: "موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة"، وقد حاولت أسرة الشيخ الضرير أثناء اعتقاله بسجون الولايات المتحدة توسيط طنطاوي لإعادته لمصر لإكمال فترة عقوبته في الحكم الصادر ضده من إحدى المحاكم الأمريكية بالحبس مدى الحياة، باعتباره أحد أبناء الأزهر وعلمائه.
موقفه من النقاب
كثيرًا ما أثارت تصريحاته اللغط، وربما كان بسبب أسلوب العفوي في التعبير عن آرائه بلهجته الصعيدية التي لم يتخل عنها في كلامه، وإن كان في حقيقة الأمر فقد لعب الإعلام دورًا في تشويه الكثير من آرائه بسبب الحساسية منه، وأبرز مثال على ذلك موقفه من قضية النقاب، فالرجل تعامل بسجيته مع طفلة أزهرية منتقبة استنكر عليها أن ترتدي النقاب وسط زميلاتها، ولم يقصد بذلك إهانة النقاب في حد ذاته، ففي تصريحات لاحقة أكد أن "النقاب حرية شخصية"، وأن الكثير من السيدات يذهبن إلى مكتبه لقضاء حوائجهن ومنهن منتقبات ولا اعتراض له على ذلك، برغم أنه يعتقد أن النقاب مجرد عادة.
ويمكن النظر إلى الكثير من آرائه المثيرة للجدل في هذا الإطار، فعلى سبيل المثال عندما أعرب في عام 2003 عن رفضه "للعدوان على المدنيين الأبرياء من أي جهة أو طائفة أو دولة" في أعقاب هجمات فلسطينية أوقعت قتلى إسرائيليين، لم يكن يقصد تحريم العمليات الفدائية على إطلاقها، بدليل أنه أجازها ولم يحرمها حتى مع مدنيين فيها، قائلاً إن "كل من يفجر نفسه في أولئك المعتدين الذين يهدمون البيوت ويقتلون الرجال والنساء والآمنين والذين يعتدون على أعراض إخواننا في فلسطين وعلى أموالهم وأرواحهم وعلى ممتلكاتهم فهو شهيد، لأنه يفجر نفسه في عدو اغتصب أرضه وانتهك عرضه وقتل الأنفس"، لكنه دعا إلى ضرورة توخي الحذر وعدم تعمد استهداف قتل الأطفال في الهجمات، وهي بلا جدال من أخلاق الحرب في الإسلام.
زيارة الأقصى
في كل الأحوال لم يسلم من الهجوم، فعندما دعا عقب اندلاع انتفاضة الأقصى المسلمين لزيارة المسجد الأقصى قابل مناهضو التطبيع مع إسرائيل دعوته بالرفض والهجوم عليه، بحجة إنها تخدم إسرائيل والتطبيع معها، أكبر أزماته كانت عندما استقبل حاخامات إسرائيليين في مكتبه بمشيخة الأزهر، حيث وجد نفسه محاصرًا باتهامات ليس أقلها الخيانة، واستخدم وقتها لغة قاسية في الرد على منتقديه وأطاح بأساتذة الأزهر الذين عارضوه، فقد كان يعتبر نفسه في معركة ظفر فيها بالنصر، وعقب وفاته، كشف الدكتور محمد عمارة عضو مجمع البحوث الإسلامية أنه رفض في البداية المقابلة، إلا أن رئاسة الجمهورية هي التي ضغطت عليه لإتمامها.
مصافحته للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في مؤتمر حوار الأديـان الذي نظمته الأمم المتحدة والسعودية بنيويورك في 12 نوفمبر 2008 استغلها خصومه سوطًا لجلده والمطالبة بإقالته ومحاكمته، بينما برر المصافحة التي التقطتها عدسات المصورين بأنه لم يكن يعرف شكل بيريز، وتكررت الأزمة عندما جلس معها على منصة واحدة في مؤتمر حوار الأديان الذي عقد في يوليو 2009 بكازاخستان.
موقفه من الاحتلال الأمريكي للعراق
أما أبرز مواقفه فكانت في رفضه احتلال العراق، وحثه الشباب على التطوع للتصدي للأمريكيين وحلفائهم، واعتبر وقتها أن الحرب على العراق حرب على كل البلدان العربية، وأضاف في مؤتمر صحفي من "أراد أن يذهب إلى العراق لكي يناصر الشعب العراقي فالباب مفتوح، وأنا أقول إن باب الجهاد مفتوح إلى يوم القيامة"، وقبلها أفتى بعدم جواز استخدام الدول العربية والإسلامية أراضيها في ضرب العراق، قائلاً: "لا يجوز أن تسخر أي دولة مسلمة أرضها لأمريكا أو لغيرها لضرب العراق أو لتسهيل العدوان على أي شعب مسلم أو لضرب دولة مسلمة أخرى".
إلا أنه كان حريصًا على ضرورة عدم الخلط بين مفهومي الجهاد والإرهاب، فالفرق بينهما مثل الفرق بين السماء والأرض، فالتطرف عدو الإسلام، أما الجهاد فهو فرض في الإسلام لدفاع المسلم عن أرضه ولمساعدة المظلومين، كما قال في مؤتمر دولي لعلماء المسلمين عقد بماليزيا في يوليو 2003، وكان هذا متسقًا مع موقفه المندد بهجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة عام 2001، حيث قال إنه "ليس من الشجاعة بأي شكل قتل شخص بريء، أو قتل آلاف الأشخاص من بينهم أطفال ونساء ورجال"، ورفض دعوة أسامة بن لادن زعيم تنظيم "القاعدة" للجهاد ضد الغرب، وقد أدان العديد من التفجيرات التي وقعت في بدان إسلامية مثل المغرب والسعودية.
كما كان حريصًا على احترام القرارات الداخلية للدول، حين ذهب مؤيدًا قرار الحكومة الفرنسية بحظر ارتداء الحجاب بالمدارس والمؤسسات العامة انطلاقًا من أن القرار "شأن داخلي فرنسي" كما قال خلال استقباله في 30 ديسمبر 2003 الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي – كان في ذلك الوقت وزيرًا للداخلية-، وأيده ضمنًا الرئيس حسني مبارك، معتبرًا أن اختلاف بعض علماء الدين الآخرين معه رحمة، وأن القرار "شأن فرنسي لا يمكن التدخل فيه" و"أنه ينطبق على المسلمين وغير المسلمين".
التبرع بالأعضاء
له العديد من الفتاوى الاجتماعية، التي يعتبرها مؤيدها دليلاً على اعتداله، ويراها خصومًا دليلاً على تهاونه وميله إلى تبني الموقف الرسمي للسلطة منها دون تمحيصها، أو الصدع فيها برأي الشرع دون خوف.
ففي عام 2000، أفتى بأنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية ما يمنع المرأة من الحصول على الطلاق بسهولة وتم إثر ذلك إقرار قانون "الخلع"، كما أجاز التحاق الفتيات بالكليات العسكرية والجيش، ورأى أن المرأة "تصلح أن تكون رئيسة للجمهورية وتتمتع بالولاية العامة التي تؤهلها لشغل المنصب".
كان من المؤيدين بشدة لنقل الأعضاء البشرية، حد إعلانه عزمه التبرع بجميع أعضائه بعد الوفاة، وكتب إقرارًا بذلك نشرته صحيفة "أخبار اليوم"، فضلاً عن استنكاره لعمليات ختان الإناث التي صدر قرار بتحريم إجرائها في مصر، على النقيض من موقف سلفه، لأنه ليس لها أصل "من الناحية الدينية لا يوجد له مبرر شرعي"، ورمى بالكرة في ملعب الأطباء لحسم الرأي بشأن جدواها من عدمه، حين قال إن المرجع الأساسي فيه إلى الأطباء، وهم الذين يستطيعون تقدير مدى احتياج الفتاة للختان من عدمه".
التوسع في بناء المعاهد الأزهرية
شهد الأزهر في عهده توسعًا كبيرًا في إنشاء المعاهد، والتي وصل عددها حاليًا إلى ثمانية آلاف معهد على مستوى الجمهورية، وكان من الرافضين بشدة لتقليص ميزانية الأزهر، وكان ذلك نقطة خلاف مع رئيس الوزراء، وأيضًا رفض محاولاته فتح كليات الأزهر أمام الطلبة غير المسلمين، وقد تصدى لذلك في إطار رفضه السماح لغير الأزهريين بالالتحاق بالجامعة الأزهرية، وأجرى تطويرًا على المناهج الدراسية رغم ما أثاره ذلك من اتهامات ضده بالعمل على إلغاء الأزهر، وأمام البرلمان حمل كتبه ومناهجه وبرهن أمام الجميع على أن ما قصده من تطوير المناهج هو حذف الحشو مع الحفاظ على صلب المواد الدينية، وألغى تدريس مادة الفقه على المذاهب الأربعة، "الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي"، من مناهج الإعدادية والثانوية الأزهرية بدءًا من عامي 2006 و2007 والاكتفاء بتدريس كتاب "الفقه الميسر" من تأليفه هو.
وقد لقي طنطاوي، وجه ربه يوم الأربعاء 10/3/2010، حين كان يتهيأ لصعود الطائرة في مطار الملك خالد الدولي بالرياض عائدًا إلى القاهرة بعد أن شارك في توزيع جوائز مسابقة الملك فيصل العالمية، ليصبح ثالث ثلاثة علماء مصريين يوارون الثرى في الأرض المقدسة، فقد سبقه الشيخان محمد الغزالي ومحمد عبدالواحد أحمد.