الخميس 28 مارس 2024
توقيت مصر 11:40 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

الإنسان.. من "التكريم الإلهي" إلى "التحقير الرأسمالي"

في سياق نقده للنظام الرأسمالي، وللمجتمع الحديث، طور جورج لوكاش (1875 – 1971) مجموعة من الأفكار تحت مفهوم (التشيؤ)، استطاع من خلالها أن يفسر العلاقات الاجتماعية، في المجتمعات الرأسمالية. 
والمقصود بـ"التشيؤ" هو: تحول الصفات الإنسانية إلى أشياء جامدة، واتخاذها كوجود مستقل، واكتسابها لصفات غير إنسانية غامضة. 
لقد شكلت هذه الفكرة نقدا أخلاقيا قويا للنظام الرأسمالي الغربي،  حيث وصفته بأنه نظام يحول "البشر" إلى "أشياء"، يمكن أن تباع وتشترى، كما أنه منظم بطريقة تجعل العلاقات بين البشر تبدو كما لو أنها علاقات بين أشياء، وأن نظرة البشر لأنفسهم ولغيرهم تغدو كنظرتهم للأشياء المادية . 
ولعل أفضل الأمثلة التي يذكرها مفسرو أعمال (لوكاش) في هذا الإطار هو علاقة الزواج حيث يقوم الزوج بشراء المتعة الجنسية والخدمات الأخرى من المرأة، مقابل إعالتها فوق مستوى سد الرمق عادة، ولكن دون الوصول إلى مستوى الرخاء ورغد العيش.
إن قيمة المرأة – في هذه الحالة – تعتمد على جاذبيتها، وعلى طاعتها وقدرتها على الطهي، أو على الثروة التي سترثها من أبيها، وبالمثل فإن الإنسان يبيع نفسه سلعة لصاحب العمل. 
لقد عمق عدد من علماء الاجتماع الغربيين مفهوم لوكاش عن "التشيؤ" مثل "هور كهايمر" 1895-1973،  في مؤلفه "جدل التنوير" و"ماركوزة" 1898-1979 في كتابه "الإنسان ذو البعد الواحد"، فيما يعرف باسم "العقل الاداتي" ولقد أرجع الأول وجود هذا العقل إلى الديانة اليهودية والذي تبلور بشكل جلي في عصر التنوير وتطور لا حقا حتى أصبح السلم الذي تسلقته الرأسمالية الغربية إلى أن بلغت أعلى درجات صعودها. 


والعقل الاداتي هو: منطق في التفكير، يفصل "الواقعة" عن "القيمة" إذ أن اهتمامه ينحصر في اكتشاف "كيف تصنع" الأشياء، وليس فيما "يجب صنعه"، فالعلم قادر على مدنا بالمعرفة اللازمة لإنتاج الوخازات الكهربية، أما إن كانت تلك الوخازات ستستخدم للسيطرة على قطعان الأبقار، أو ستستخدم في تعذيب البشر: فهذه مسألة لا تعنيه.
ويقول (إيان كريب):  "إن هذه النظرة امتدت الآن لتشمل الأفراد من بني البشر الذين لم يعد ينظر إليهم باعتبارهم كائنات لها كرامة، وحقوق، وواجبات، ولكن باعتبارهم مخلوقات تمتلك بعض الصفات، والمهارات التي يمكن استغلالها خارج أنفسهم".. ويضرب لذلك مثلا فيقول"أنا لا أنظر مثلا إلى طلابي باعتبارهم بشرا منخرطين بعملية التحصيل العلمي، بل باعتبارهم أشخاصا، لو أنني أثرت في نفوسهم إعجابا كافيا بشخصي فلربما نفع ذلك في ترقيتي.. وأنا لا أرى قدراتي على فهم الآخرين باعتبارها شيئا في خدمة الآخرين، بل بوصفها وسيلة تمكنني من إقناعهم بفعل ما أريد، وأن الناس يحصلون على الوظائف ليس على أساس الاستقامة والنزاهة، بل على أساس القدرة على إنجاز المهمات المنوطة إليهم بنجاح، بغض النظر عن مدى شرعية هذه المهمات".
وقبل أن تأخذنا التفاصيل بعيدا عن موضوع المقال نقول: إن الجنس ـمثلا ـ  وأداته (جسد المرأة) استطاع العقل الأداتي (الغربي) توظيفه على النحو الذي يحفظ للنظام الرأسمالي تماسكه وتواصله فالمرأة – بحسب الرؤية الأداتية – مجرد شيء، تختزل قيمتها في قضاء الوطر (أو الإشباع الجنسي) وحسب. 
إن العقل الاداتي لا يهتم هنا بشكل العلاقة الذي تم به هذا الإشباع فالمرأة مجرد جسد لجلب المتعة، ولا فرق بين ما إذا كان المستمتع به زوجا، أو عابر سبيل، 
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى