الجمعة 19 أبريل 2024
توقيت مصر 15:52 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

في الصحافة والحياة..

قنوات اليوتيوب

كنت أتولى منصبا مهما في قناة إخبارية كبرى غير مصرية، عندما أخبرني مديري أن صاحب المؤسسة الإعلامية التي تبث عدة قنوات تتصدر المشهد الإعلامي العربي يرغب في تطوير نشرة الأخبار عن الشكل السائد عنها منذ عرفناها في التليفزيون وحتى في الإذاعة.
سألته: وما هو الشكل الذي يمكن به تقديم الأخبار، سوى أن يقرأها اثنان بدلا من واحد، أو الجنس اللطيف الجميل بدلا من الخشن المقطب الوجه والجبين للتخفيف من حدة هذه الأخبار؟!..
قال: اسمع ما اقترحته عليه بعد أسبوع من التفكير. رأيت نشرة أخبارية في إحدى القنوات، تقدمها المذيعة بأسلوب راقصة الاستربتيز. تبدأ المقدمة بكامل ملابسها، وفي التفاصيل تأخذ في التخفيف منها قطعة قطعة!
استغربت وضحكت  . لابد أن صديقي يمزح. لكنه استطرد بأن الرجل ضحك هو الآخر، لكنه فهم المقصود. ليس تحويل النشرة إلى رقصة ستربتيز، بل تخليص المذيع أو المذيعة من الأخبار الرسمية المتجمدة ومنحه الحرية في تفسيرها أو شرحها واستعمال مفرداته الخاصة متخلصا من سطوة محرري النشرة ورؤساء تحريرها.
ومع أني شاهدت بالفعل نشرة استربتيز كاملة تقدمها مذيعة شابة في إحدى القنوات الألبانية، وأصبح توقيتها في المساء يحظى بنسب مشاهدة عالية، فإن خلع ثوب النشرة العتيق في قنواتنا العربية ، ليس إلى درجة الاستربتيز طبعا، أمر مستحيل وليس بالغ الصعوبة فقط.
لهذا السبب يهرب كثيرون مثلي من متابعة القنوات التليفزيونية، فتلك الأخبار شاهدوها في وقتها على شبكة الانترنت، قرأوها بطريقتهم دون أن تزعجهم هيئة المذيع أو تكشيرته أو الأخطاء اللغوية والنحوية وحتى الأسماء التي يتكبرون على السؤال عن نطقها الصحيح أثناء مرحلة التجهيز.
بالتأكيد لا يجب علينا أن نطلب المستحيل، فالتعليم الحالي لا يتيح مثل خالدي الذكر صبري سلامة وصالح مهران وجلال معوض وسعد زغلول نصار وجمالات الزيادي  وحسن الكرمي.
الموجة الجديدة تقدم لنا البديل للقنوات التقليدية وربما الأفضل بمصاريف صفرية. قنوات تقدم بمجهود شخص واحد فقط، ومع ذلك لا تمل من متابعة نشرتها الإخبارية كاملة، لأنك لن تجد من حرقها عليك.
أتحدث عن قنوات اليوتيوب التي تحمل أحيانا أسماء أصحابها. يقول صاحب قناة معروفة وعدد مشتركيها بمئات الألوف، إن الاستديو الرائع الذي يظهر خلفه لم يكلفه سوى مائة دولار. أتذكر أن الاستديو الذي جهزناه لقناة العرب الإخبارية تكلف ملايين الدولارات وشهورا طويلة من العمل المستمر ومع ذلك لقيت حتفها في أول نشرة أخبار، لأنها قدمت أخبارها بشكل متوازن على طريقة قنوات الغرب.
قناة أخرى تقول: نحييكم من المطبخ. بالفعل نقل صاحبها استديو النشرة إلى مطبخه لأنه أوسع مكان في شقته. ثم يبدأ في قراءة عناوين أخباره التي "تسم البدن" حسب تعبيره!
تذكرت أن العجوز جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل في حرب أكتوبر كانت تعقد فعليا في مطبخها الاجتماعات التي تقرر مصير إسرائيل ولذلك أسموه "المطبخ السياسي"!
ذهلت من مشاهدات تجاوزت المليون  لإحدى النشرات.. كم عدد الذين يتابعون أخبار القنوات التقليدية؟..
مقدمو أو مذيعو قنوات اليوتيوب، عدد منهم أصبحوا نجوما خصوصا أن شاشات التليفزيون العملاقة الذكية أتاحت مشاهدتهم عليها بربط سهل جدا وسريع بينها وبين الموبايل.
عندما استضاف برنامج خفيف على قناة mbc بعد الإفطار في رمضان الناقد الرياضي أبوالمعاطي زكي وهو ليس فنانا مشهورا أو نجم كرة قدم، سأل أحدنا من العواجيز عن ماذا يكون؟!.. فانبرى شاب صغير من متابعيه على يوتيوب متحدثا عن شهرته وعشرات الآلاف الذين يتفاعلون معه، واكتشفنا أننا كعواجيز خارج الزمن.
الزمن الجديد سيداهم الجميع شئنا أم أبينا.