السبت 20 أبريل 2024
توقيت مصر 08:10 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

في مايو القادم

يتوقع  بعض (المشايخ)  بناء على معطيات (فقهية)  أن ينحسر وباء فيروس كورونا  بدءا من الثاني عشر من شهر أيار(مايو)  المقبل ، ونحن جميعا نتمنى أن ينحسر الفيروس في أقرب وقت ممكن ، لكن  ينبغي  ونحن نعرض وجهة النظر الفقهية في مثل هذه الأزمات أن نتحلى بقدر من الواقعية والموضوعية، وألا نفرط في التفاؤل غير المنضبط  ، وأن نستعين بالتاريخ  والطب ،لا بعلم اللغة وحده ،ولا بالمعاجم اللغوية فقط . لقد بنى  هؤلاء المشايخ توقعهم على حديث يرويه أبو هريرة رضي الله عنه رضي الله عنه ، ومتنه هكذا : " ما طلع النجم صباحا قط وبقوم عاهة إلا رفعت عنهم  أو خفت "
وقد ورد الحديث بأكثر من لفظ وعن أكثر من صحابي ، واتفق كثير من أهل العلم على أنه حديث حسن بطرقه. والمقصود بالنجم هنا هو الثريا ، وطلوعه صباحا أي بدء رؤيته . وأكثر أهل العلم على أن ذلك يكون في الثاني عشر من شهر أيار (مايو) أي مع بداية شدة حر الصيف ، وهو الأمر الذي جعل البعض يعتقد بأن الحر يقتل مذل هذه النوعية من الفيروسات . وعلى الرغم من أن كثيرا من الفقهاء حمل الحديث على عاهة الثمار لا على الأوبئة و الطواعين ، فإن هناك فريقا آخر قد قاس ذلك على عاهات الأوبئة حتى استدل بعضهم ببعض الحوادث التاريخية التي تدل على رفع الأوبئة مع نهاية فصل الربيع وقدوم الصيف . ولا نستطيع أن ندعي خطأ ما ذهبوا إليه ، لكن هناك بعض الحوادث التاريخية في العصر الحديث والتي حدثت في عصور تالية لما دونه  هؤلاء العلماء و الفقهاء ، ومنها الوباء الشهير المعروف باسم الأنفلونزا الإسبانية ، التي حدثت على ثلاث موجات بدءا من عام 1918. و الذي أصاب حوالي 500 مليون شخص على مستوى العالم ، وحصد أرواح ما بين (20 مليون إلى 50 مليون شخص) ، وتشبه أعراضه أعراض مرض كورونا الحالي ، حتى يتوهم من يقرأ تلك المرحلة الزمنية من انتشار الوباء وردود الأفعال العالمية أنه يتابع مرض كورونا لشدة التشابه بينهما . ولم يكن العالم العربي بعيدا عن ذلك الوباء ، فقد أصابته الوباء بشدة كبيرة وبأرقام أكثر بكثير من الأرقام التي تحدث الآن. وقد مرت الموجة الأولى على مصر بسلام في فصل الربيع لكن مع فصل الصيف(أغسطس) حدثت الموجة الثانية بطريقة أشد ، وقتلت أعدادا كبيرة ، بأرقام صادمة لا أستطيع ذكرها لندرة المصادر التي تؤكد هذه الأرقام .
لكن الذي أود أن ألفت النظر إليه أن الموجة الثانية كانت في شدة الحر ، وكانت بعد طلوع الثريا ، وهو ما يضعف حجة تعميم الحديث في كل العاهات و الأوبئة ، على الرغم من أن الحديث كان خاصا بعاهات الثمار. إن الهدف من هذا المقال هو وضع محاولة إكمال الصورة الناقصة التي يتعمد بعض المشايخ والفقهاء أن تظل مبتورة المعالم ربما من أجل أن يحتفظوا دائما بمساحة حضورهم في كل المشاهد عبر التاريخ . وليس الأمر قاصرا على المشايخ فقط ، فهناك الكثير من المثقفين أو( المتثاقفين) الذين يتعمدون أيضا الاحتفاظ بمساحة الحضور ذاتها ، وبين هؤلاء و أولئك تغيب كثير من الحقائق ، وتشوه كثير من الوقائع ، و الوطن هو الذي يدفع ثمن هذا الصراع العبثي بين الفريقين .