الخميس 18 أبريل 2024
توقيت مصر 06:01 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

الذهنية العربية الإسلامية و العقاب الإلهي

عادل عامر 2
سارعت القنوات الإخوانية، بعد انتشار فيروس كورونا، بإظهار شماتتها بالمصابين في الصين، ووجدت في الأمر فرصة لبث خطابها بالتأكيد أنّ هذا الفيروس "انتقام إلهي"، وجُند من جنود الله؛ نزل لعقابهم على ما ارتكبوه في حق المسلمين الصينيين من قتل واضطهاد وتعذيب وعزل، على الرغم من أنّ شعب الإيغور نفسه ليس بمعزل عن الإصابة بهذا الفيروس 
لأنه يقطن جمهورية الصين، ويتنفّس هواءها، ويصيبه ما يصيب أهلها، فهو من ضمن المعزولين بسبب هذا الفيروس! وتغليف أي مصيبة تنزل بغير المسلمين بغلاف ديني يرى أن ذلك انتقام إلهي
إنّ الذهنية العربية الإسلامية مسكونة بنظرية العقاب الإلهي، وتغليف أي مصيبة أو نازلة تنزل بغير المسلمين بغلاف ديني يرى أنّ ذلك عقاب وانتقام إلهي، وهو تفسير انهزامي تجد فيه الذهنية المتكاسلة مبرراً يعزّز كسلها وتراخيها وخضوعها إلى الأقدار الإلهية؛ فالخالق في مخيالها بمثابة إله للتنكيل والانتقام من كل من يعادي المسلمين،
 ولا تستنكف تلك الذهنية حشد واستنطاق الآيات القرآنية والأحاديث، من هنا ومن هناك، للتدليل على صحة تلك النظرية، وليت الأمر يتوقف عند حالات فردية من الناس؛ بل إنّ طائفة كبيرة من المشايخ، ممن ليسوا بذوي أيديولوجيا سياسية، يعتقدون بتلك النظرية، ويبرّرونها، 
ويغلّفونها بغلاف ديني أحادي النظرة، غير إنساني، بل غير منطقي تماماً؛ ففي الوقت الذي تحل فيه كارثة أو مصيبة بغير المسلمين نفسرها بأنّها "عقاب إلهي"، بينما لو حلّت تلك الكارثة بالمسلمين، يفسّرونها بأنّها "ابتلاء إلهي"، في قسمة تفتقد أدنى درجات العقل والمنطق، بل تفتقد أدنى درجات الرحمة والإنسانية.
الفيروسات والأمراض تُفسَّر علمياً لا دينياً
التفسير العلمي لهذا الفيروس، بحسب موقع منظمة الصحة العالمية، أنّه مرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية المعروفة اختصاراً بـ MERS-CoV أو EMC/2012، فهو ذو حمض نووي ريبوزي مفرد الخيط، إيجابي الاتجاه ينتمي لجنس فيروسات "كورونا بيتا"، ويسبب فيروس كورونا الجديد عدوى حادة في الجهاز التنفسي، وعادة ما تبدأ الأعراض بحمى ثم سعال جاف، كما هي الحال في الإصابة بالإنفلونزا، ما يعني أنه لا يوجد تعريف ديني لهذا الفيروس ولغيره من فيروسات وأمراض،
 فالعلم لا يعترف سوى بالحقائق العلمية، والفيروسات أو الأمراض لا تصيب غير المسلمين وحدهم، فهي لا تفرّق بين مسلم وغير مسلم، وفيروس كورونا ما هو إلا حلقة في سلسلة الفيروسات الخطيرة التي ضربت واجتاحت دول العالم؛ مثل وباء الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، الذي قضى إثره الملايين، ووباء الإنفلونزا الآسيوية عام 1957، ثم إنفلونزا هونغ كونغ، وإنفلونزا الخنازير والطيور، وغيرها من أوبئة قاتلة حصدت أرواح الملايين؛ مسلمين وغير مسلمين، دون استثناء، بل إنها لم تحصد في مجملها سوى أرواح الفقراء والضعفاء والنساء والأطفال والشيوخ، ممّا يجعل ممارسة الشماتة في الكوارث والأزمات والأوبئة غير مُبرّرة؛ لأنها تطال المسلمين كذلك، كما أنّ مجرد التفكير في نظرية الانتقام الإلهي يتنافى مع الرحمة والعدل الإلهي.
حين تحل كارثة بغير المسلمين نفسرها بأنها عقاب إلهي بينما لو حلّت تلك الكارثة نفسها بالمسلمين يفسّرونها بأنها ابتلاء إلهي
وعلى الرغم من أنّ لفظة الرحمة ذُكرَت في القرآن الكريم 268 مرة، كما ورَدت فيه هي ومشتقاتها أكثر من 330 مرة، فضلاً عن تكرار البسملة – التي تتضمّن كلمتي "الرحمن الرحيم" – في مفتتح سور القرآن الكريم كلها، عدا سورة التوبة، في 114 مرة، إلا أنّها انحسرت وهُمِّشت على أيدي المفسرين والفقهاء والمتكلمين في مدوّناتهم، بحيث صارت خاصة بالمسلمين وحدهم، كأنّ الإله الخالق لا يعرف غيرهم، ولا تتجلّى صورته، ولا يسبغ على مَن سواهم تلك الرحمة، مهما عبدوه، ومهما اجتهدوا في إرضائه، بل مهما كان اجتهادهم وعبادتهم، فهو – تأسيس وبناء على ما في مخيالهم –أنّه ليس إلهاً للعالمين!
إنّ الاحتكام إلى العقل والمنطق ومقاصد الدين وأخلاقه، يؤكد أنّ أي وباء أو كارثة طبيعية أو كونية تحيق بطائفة من الناس، ليست عقاباً إلهياً؛ فمنذ نشأة الخليقة، وقبل ظهور الأديان كانت الأوبئة والكوارث تعصف بالبشر على هذه الأرض، فهي ليست من نتائج العقاب الإلهي كما يدّعي البعض، بل ظاهرة طبيعية وأسباب مرضية لا تفرق بين مسلم وغيره، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين ظالم ومظلوم، ولا بين فقير وغني، ولا بين مسجد أو كنيسة أو كنيس، لكنه العقل المسكون بالانهزامية والتراخي وانتظار اليد الإلهية العليا التي تنتقم له ممّن لا يقدر هو عليهم.
نحن بحاجة إلى أن ننظر إلى الآخر المخالف نظرة أخلاقية حضارية قوامها الرحمة والإخاء الإنساني، نظرة تسامح لا شماتة، كما أنّنا بحاجة إلى أن نحفظ للعلم مكانته؛ لأنه هو سبيل التقدّم والرقي وتحرير الإنسان من الخرافة. 
وحذر تقرير للصحيفة الأوغندية "كامبلا نيوز" نشر مؤخرا، من تدخل قطر الكبير في منطقة البحيرات العظمى في أفريقيا، مؤكدا أن "الدوحة تضخ ملايين الدولارات في رواندا، البلد الحبيس في قلب أفريقيا، لتعزيز نفوذها بشكل عام، واستغلال زيادة المسلمين في البلد ذي العشرة ملايين نسمة".
واتاحت حالة التسامح التي سادت رواندا، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وتولي الرئيس الحالي كاغامي قيادة البلاد، بحرية العقيدة بصورة أوسع، وحرية التعبير عن الآراء الدينية.
يقول مراقبون، إن قطر وثقت علاقتها مع رواندا لأسباب عدة، أهمها أن البلد الصاعد اقتصاديا بقوة أضحى بيئة مناسبة لظهور جماعات إسلامية مؤدلجة مع عدم وجود رقابة للحراك المتطرف في المساجد بالعاصمة كيغالي أو المحافظات القريبة من الحدود مع دولة الكونغو الديموقراطية.
لكن الحرية التي حظيت بها الجماعات الإسلامية في رواندا، انقلبت على كيغالي، وتحولت إلى تهديد مباشر للحكومة، ووقود أكبر لزيادة الاحتقان في النزاعات المسلحة بالمناطق الحدودية مع دولة مثل أوغندا التي تعاني من فوضى سببها نشاط المتمردين في جنوب البلاد.
ويمكن إطلاق مصطلح "الإسلاميين الجدد" على الظاهرة التي تحدث في رواندا، فمن السهل ضخ معلومات وأفكار دينية متشددة على أنها تمثل صحيح الدين في أشخاص اعتنقوا الإسلام منذ فترة وجيزة، وتعتقد قطر أنها بذلك تضاعف أعداد المسلمين، ما يمثل لها قاعدة لبناء نفوذ ديني لدعم أفكارها.
وتمتع المسلمون في رواندا بسمعة طيبة لدورهم البارز والسلمي في تهدئة الصراع العرقي في البلاد، وتحولت المساجد والمراكز الإسلامية إبان الحرب الأهلية لمراكز إيواء وحماية للنازحين والهاربين من ويلات الحرب والمتطرفين من قبائل الهوتو. وكان ذلك ميزة للتغلغل داخل المجتمع دون عراقيل، والبناء عليه لصالح نشر أفكار متشددة.
مع الارتباط الحالي بين الإسلاميين في رواندا والجماعات الانفصالية في البلدان المحيطة، وزيادة حدة التوترات مؤخرا في منطقة البحيرات العظمى بسبب تكدس اللاجئين البرونديين المنتشرين على الحدود، سيكون من المتوقع أن تزداد قدرات الجماعات المتشددة في نفاذها سريعا نحو بلدان أخرى يكون مركزها رواندا، وتخسر ما حققته من تقدم على المستوى الاقتصادي الذي وضعها في مقدمة الدول الصاعدة بالقارة. 
ربما هي الحالة الوحيدة في العالم، مقاتلون يتركون بلادهم وهي في حالة حرب، ليتوجهوا لدولة أخرى للمشاركة في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، والفضل في ذلك للدولة التي ترعاهم، تركيا، حيث قررت استغلالهم وإرسالهم للقتال في ليبيا. ثلاثة آلاف مقاتل سوري (حتى الآن) من كتائب الحمزة والمعتصم وصقور الشام وفيلق الشام وفرقة السلطان مراد وغيرها، غالبيتهم بلا أوراق ثبوتية، أرسلتهم أنقرة من غازي عنتاب جنوب تركيا إلى إسطنبول ثم مباشرة إلى ليبيا للقتال هناك مقابل رواتب شهرية،
 وبعد أن استخدمتهم تركيا في حربها ضد الأكراد شمال سوريا، جاء الدور هذه المرة لتوسيع نطاق استخدام هؤلاء المرتزقة ليتجهوا إلى القارة الأفريقية، تحت ضغط وتهديد تركي بإيقاف الدعم عنهم وعن قادتهم إن هم رفضوا الانصياع لها. يقول محمد، أحد ضُباط جيش الإسلام (إحدى الجماعات المتطرفة)،
لم يسمح لنا الأتراك بمحاربة النظام السوري في منطقة إدلب، إلا أنهم كانوا يطالبوننا هنا بالقتال في ليبيا»! لاحظوا أن هذا يحدث رغماً عن قرارات الأمم المتحدة ومقررات مؤتمر برلين، وما خرج به المؤتمرون من زعماء العالم من توصيات ملزمة بمنع التدخل العسكري المباشر في الأزمة الليبية، إلا أن الحكومة التركية واصلت إرسال آلاف المرتزقة بعد الأسلحة في خرق فاضح للقانون الدولي.