الخميس 25 أبريل 2024
توقيت مصر 19:24 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

الوادى العظيم .. والذهاب الى ما سيأتي

 في ديسمبر 1950م تم إفتتاح مركز من أهم المراكز البحثية في مصر(معهد  فؤاد الأول لبحوث الصحراء) كان هاجس(وادى النيل الضيق)هاجسا مؤرقا للعلماء والساسة المصرييين وقادة الرأى..رغم أن سكان مصر وقتها كان 20 مليون نسمة..هذا المعهد أو المركز _فيما بعد _ يختص بكل مايتعلق بالزراعة والمياه والإنتاج الحيوانى تحت الظروف الجافة(ما أحوجنا إليه في الأيام القادمة تحسبا لكل نتائج مفاوضات سد النهضة).
وكان يجرى  فيما يجرى دراسات كثيرة عن واحات مصرالغربية (الداخلة والخارجة والفرافرة والبحرية)والتى عرفت بعد 1952م بـ(الوادى الجديد)تحديدا عام 1958م ..وتشكل مساحته نصف مصرتقريبا(مصر مساحتها مليون كم) والوادي الجديد يشكل منها 458000كم.
فى هذا النصف يعيش 300 الف نسمة فقط ..والنصف الأخر(الوادى الضيق)يعيش فيه 100 مليون..ربعهم فى القاهرة وحدها .
***
من أواخر الخمسينيات وحتى اليوم _أكثر من نصف قرن_ ولم يحدث التغيير العظيم المنشود ..كذاك الذى حدث فى  الهجرة الى الغرب الأمريكى 1803م (من المحيط الى المحيط ..واطلقوا عليه أسم القدر المتجلى) غرب نهر المسيسبى  والذى نشأت حوله أدبيات وأشعار وأغنيات وموسيقى حتى كاد الأمر أن يتحول أسطورة ..
لكن الأمر أختلف عندنا بما يؤلم ذاكرة أجيالنا ألما ..ألوما..أليما.. ففيما ازداد الوادي(القديم) ضيقا و تكدسا وفقرا وبالتالى تخلفا ومعاناة..ازداد الوادي العظيم (الجديد)اهمالا وهجرا وتفريطا وايضا تخلفا ومعاناة..
ولا أدرى لماذا لم يتوقف أساتذة وعلماء(الاجتماع السياسى)عند ظاهرة تعثر المشروعات الكبرى (الوادى الجديد / توشكى..)تحديدا..نذكرها ونذكر بها لا لننسحق ونحبط بأخطائنا فيها..ولكن لنتعلم ونعتبر ويزداد وعينا بأنفسنا وبالمستقبل .. أين تكمن جذورمشكلة تكرار فشل هذه المشروعات الكبرى .. لتختفى بعدها وتصبح حكاية وذكرى.
هل هى مشكلة (الانسان)وأخلاقه وإتقانه وتدريبه وجديته وإجادته ؟؟ أم هى(الادارة)بعقلها وفلسفتها وصدقها و وأمانتها؟؟ أم إن المسأله فى(الدائرة الجهنمية) الشهيرة..الانسان يأتى بالادارة والإدارة تأتى بالانسان.! وتكون النتيجة أن يبدو كل شىء زاهيا مطمئنا ..فى حين أنه ليس كذلك..وكأننا امام شخص يأتى من اللامكان ويعبث بكل شىء ..وفى النهاية ..لا نجد فى أيادينا إلا أيادينا.!
***
وكنت قد كتبت كثيرا من قبل عن هذا (الوادى)العظيم..والذى لم بذهب اليه المستثمرون والأثرياء قينا إليه (ساويريس مثلا يستثمر فى باكستان وجزيرة جرينادا..!! واغلب الأخرون يستثمرون فى الكوموندات فائقة الرفاهية ..لمن هذا كله؟
ثروات الوادى الجديد..الزراعية والسياحية والمعدنية  بها ما يكفل لمصر(كلها)عيشا وفيرا رغدا..
زراعيا يستطيع الوادى العظيم (الجديد)أن يكفى حاجة مصرمن القمح تماما ,, من أيام الإمبراطورية الرومانية كان كذلك بالفعل ؟ ناهيك عن زراعات الفواكه والنخيل مايزيد عن (2مليون نخلة)..الدراسات التى تم إعدادها تؤكد إمكانية زراعة نصف مليون فدان على الأقل..والمشكلة ليست فى(المياه)بقدر مدى حسن استغلال هذه المياة .
سياحيا تتنوع الثروة السياحية بين(طبيعية) حيث عيون المياه المعدنية الساخنة والباردة التى تستخدم فى الاستشفاء(وبما يفوق مشفى كارلوفيفارى ومالفازينكى الشهيرين فى جمهورية التشيك وبسافر اليهما أثرياؤنا) وتقام حول هذه المشافى عشرات المشروعات التى تمدها بإحتياجاته وتدخل سوق العمل.
وسياحة (دينيه)إسلامية ومسيحية (مثل قرية القصر)الإسلامية التى تتميز بأن معظم مبانيها من العمارة الإسلامية,, وهى من أوائل الأماكن التي إستقبلت القبائل الإسلامية عند وصولها الواحات سنة 50 هجرية وبها مسجد من القرن الأول الهجري ,,ومساجد من العصر التركى والمملوكى مثبته في هيئة الأثار..أيضا(منطقة القبوات)التى كان يأوى اليها(أجدادنا)المسيحيون فرارا من الاضطهاد الروماني قبل ان يأتى الفتح الإسلامي.. وهناك السياحة (التاريخية) حيث المعابد الفرعونية القديمة (معبد هيبس) .
تحدث عن الثروة المعدنية وقل ما تشاء..ربوة أبو طرطورأشهر من أن تُعرًف..والتى بها أكبر احتياطي عالمي مخزون من(الفوسفات) فى العالم..وأتوقع أن يقوم المهندس خالد الغزالى رئيس  شركة فوسفات مصر ووزارة البترول والتعدين بتعويض الوطن عن ما خسرناه فى هذا المشروع  الكبير من بداية التسعينيات.
***
التوسع فى الاستثمار فى هذه المجالات :السياحة والزراعة و الثروة المعدنية والصناعات القائمة عليها والمغذية لها,, سيزيد معدلات التشغيل ويوسع سوق العمل ..ويساهمم فى حل مشكلة (البطالة)وسوء توزيع السكان ,, القاهرة بها أكثر من 25 مليون نسمة أى بما يعادل مساحة تقل عن(3 متر لكل مواطن)بينما الوادى العظيم الجديد المساحة بمعدل ( 3000 متر لكل مواطن)!.
الزيادة السكانية لا تأكل التنمية  كما يقال..ولنراجع المراجعات والمرجعيات ..واسمعوا د/فاروق الباز والراحل د/رشدى سعيد ود/ممدوح حمزة ودراسات المركز القومى للبحوث(أنشىء أيضا قبل ثورة يوليو باسم المجلس الأعلى للبحوث العلمية والصناعية)ومعهد بحوث الصحراء وطالعوا ما كتبوه عن هذا (الوادي العظيم )وثرواته ومياهه الجوفية وخيراته التي تكفى 200 مليون وليس 100مليون فقط ..بل وعن كل الصحراء الغربية.
مصر هى مفتاح الدنيا وبوابة العالم و_ إن شاء الله _ تقوى وتنهض وتنعم بالغنى والاكتفاء..وقتها ستأخذ العالم العربى كله فى يديها وتسير به الى الدروب التى يجدر السير فيها ..شرط أن لا تنام عيون مصرعن (ثعالبها) ..كما قال المتنبى فى بيته الشهير .