الثلاثاء 19 مارس 2024
توقيت مصر 12:24 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

تأملات فى الإنسان

صدر كتاب تأملات فى الإنسان للكاتب رجاء النقاش فى طبعته الاولى سنة1963 بعنوان التماثيل المكسورة فى سلسلة اقرأ الشهرية التى تصدر عن دار المعارف المصرية وقد نفدت الطبعة الأولى بعد عدة شهور. وصدرت الطبعة الثانية من الكتاب بعنوان الحب لا يتكلم كثيرًا . وها هى الطبعة الثالثة قدمها النقاش تحت عنوان تأملات فى الإنسان..

يقول النقاش: وأود أن يسمح لى القراء هنا باعتراف خاص, هذا الاعتراف هو أننى أحب هذا الكتاب أكثر من أى كتاب آخر لي. وذلك ببساطة لأننى كنت أحاول أثناء كتابته أن أعالج نفسى من الحزن والضيق بالحياة. كنت أحاول أن انتصر على عوامل الهزيمة الروحية التى أوشكت يومًا أن تسد أمامى كل الطرق وأن تسلب منى أى حماس للحياة أو ابتهاج . وكلما عدت إلى فصول هذا الكتاب تدفقت فى روحى عزيمة تريد أن تنتصر على الحزن والأسى والتشاؤم.

وبمرور الأيام اكتشفت أن الكثيرين يشعرون نحو هذا الكتاب بنفس مشاعرى, وذلك لأنهم اصطدموا فى طرق الحياة ببعض الأحزان الكبيرة, ودخلوا مع هذه الأحزان فى صراع حاد أرادوا أن ينتصروا فيه وأن يواصلوا حياتهم رغم عدوان الحزن والكآبة.

تميز أسلوب النقاش بالسهل الممتنع فى تقديم أفكاره، ويظهر ذلك واضحًا فى كتاباته، ومن بين كتب النقاش المميزة كتابه تأملات فى الإنسان الذى صدرت طبعته الأولى فى 1963.

يتناول النقاش الإفلاس الروحى من بين تأملاته فى حياة الإنسان، ويعرض نموذجًا لذلك الكاتب أنطون تشيكوف ورسالته التفاؤلية لأخيه، والتى يذكر فيها حطم كأس الفودكا فإنى أنتظرك!.

ويرى النقاش، أن تلك الكلمات البسيطة لها معنى كبير ومؤثر، ويعد تلخيصًا لفكرة الإفلاس والغنى الروحي.

فتشيكوف رغم فقره كان يشعر بسعادة لا يراها أخيه الأكثر منه مالاً، فإفلاس أخيه يبدأ بشكوى يزداد بأن يحاول الإنسان تبديد حياته بأن يجد فى كأس الخمر لذة أكبر من قراءة كتاب، وتكون نهايتها أن تكون حياته مثل المقامر الذى خسر كل أمواله فى نادى القمار ليجد نفسه طريدًا بلا مأوي، وتكون وقتها الخسارة والإفلاس مادية ومعنوية!.

ويؤكد النقاش، رسالة تشكيوف وهى ضرورة أن ندل من حولنا على خطوات التفاؤل وعدم إضاعة الحياة، حتى وإن لم يكملوا من طريق سوى خطوات بسيطة.

فكرة أخرى قد تبدو غريبة لدى البعض وهى التفوق الإنسانى عندما يتسبب فى مشكلة ومحنة لصاحبه.

ويبدأ النقاش، بالتأكيد أن المجتمعات البشرية على تنوعها واختلاف ثقافتها تشترك جميعها فى وجود المعادين للنماذج الناجحة، الذين يخافون خوفا عميقا من رؤية الموهوبين!.

ويسرد قصة الفيلسوف الكبير سقراط عند تقديمه للمحاكمة بتهمة الخروج على الدين وإفساد مجتمع أثينا، فمجتمع أثينا بما فيهم قاضى المحكمة كانت دوافعهم الأساسية هى الحقد على موهبة سقراط وليس دفاعًا عن المبادئ الدينية.

ولكن لم يدرك سقراط ذلك وظن أنه أمام معركة فكرية حقيقية، ولابد أن ينتصر فيها، ليبدأ فى طرح حججه ببلاغة شديدة أشعلت نار الحقد لدى كارهيه، لأنه أحرجهم من عرض تفوقه بشكل أكبر، ليتم الحكم بإعدامه انتقاما من موهبته الفذة!.

وتاتى ذكرى رحيل الكاتب والناقد رجاء النقاش يوم 8 فبراير ذكرى، والذى فارق الحياة الأدبية والثقافية فى فبراير 2008، عن عمر ناهز 73 عاما بعد صراع مع السرطان.

ووُلد النقاش بإحدى قرى محافظة الدقهلية فى 3 سبتمبر 1934 لأسرة فقيرة، كما ذكر فى كتاباته، ولكن يُرجع النقاش الفضل الأكبر فى تكوينه الفكرى لوالدته والتى كانت أمية لا تقرأ ولا تكتب، ولكنها نجحت فى تربيته هو وأخوته ليكون أحد كبار الصحافيين والنقاد.

بدأ النقاش مسيرته الصحفية بعد تخرجه فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة من خلال بوابة روز اليوسف فى أواخر الخمسينيات، واستمر عمله بالصحافة إلى أن رأس تحرير عدد من المجلات أبرزها: الكواكب والإذاعة والتليفزيون.

وساهم النقاش فى اكتشاف عدد من المواهب الأدبية مثل الشاعر الفلسطينى محمود درويش والروائى السودانى الطيب صالح، ورافق كذلك الأديب العالمى نجيب محفوظ لفترة كبيرة أسهمت فى خروج كتاب صفحات من مذكرات نجيب محفوظ والذى سرد فيه محفوظ أبرز محطات ومواقف حياته وذلك من خلال تسجيلات صوتية زادت عن خمسين ساعة، عمل النقاش على صياغتها وخروجها للقراء فى صورة أشبه بالمذكرات.