الجمعة 19 أبريل 2024
توقيت مصر 19:21 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

غناء بقرار جمهوري.. كيف جمع «السادات» بين «النقشبندي» و«بليغ»؟

غناء بقرار جمهوري.. كيف جمع «السادات» بين «النقشبندي» و«بليغ»؟

الشيخ الراحل محمد السيد النقشبندي، هو المبتهل الأشهر في مصر، لما كان يتمتع به من حسن صوت وأداء مميز في فن المدائح والابتهالات الدينية، جعل  الموسيقيين يرونه أحد أقوى وأوسع الأصوات مساحة في تاريخ التسجيلات، حتى لقب بـ "الصوت الخاشع"، و"الكروان".

أحبه المصريون الذين ارتبطوا بصوته على مدار سنوات طويلة عبر أثير الإذاعة في مصر، والذي كان يصفونه بأنه لحن من ألحان السماء، وبادلهم حبًا بحب، لما  اشتهر عنه من خلق التواضع والحب للناس، فقد كان يحب الفقراء ولا يحلو له الجلوس إلا معهم والعيش معهم.

المولد في "دميرة" والنشأة في "طهطا"

كان مولده في قرية "دميرة" بمحافظة الدقهلية في 12 مارس 1921، عاش بعيدًا عن والده، بعد أن انفصل عن أمه، التي تزوجت برجل آخر، وتركت محافظة الدقهلية، وانتقلت للعيش مع زوجها في "طهطا" بسوهاج، وتربي هناك، وعندما كبر، عاد إلى أبيه، وكان يعيش معه فترات طويلة.

في طهطا حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ أحمد خليل قبل أن يستكمل عامه الثامن وتعلم الإنشاد الديني في حلقات الذكر بين مريدي الطريقة النقشبندي، كان يتردد على موالد الصعيد كلها، وحفظ أشعار البوصيري وابن الفارض .

وفي عام 1955 استقر في محافظة الغربية، تزوج ابنة خاله، وعاش هناك بجوار أولياء الله، وعندما ذاع صيته في مصر والعالم العربي والإسلامى، وطُلب منه أن ينتقل للعيش في القاهرة رفض، وقال: سأعيش هنا، وسأموت هنا .

البداية في سوريا.. والشهرة في مصر

أولى الابتهالات التي سجلت بصوته كانت في سوريا عام 1957، وكان قتها يؤدي مناسك الحج في السعودية، وتعرف على الشيخ السوري محمد علي المراد ودعاه لزيارة سوريا، وهناك أحيا ليالي من الإنشاد والليالي الجميلة.

أما بداية تعرف المصريين على صوته فكانت من خلال برنامج "في رحاب الله"، الذي كان يقدمه الإعلامي أحمد فراج، وذلك عندما سمعه في مولد الإمام الحسين، فسجّل معه بعض التسجيلات، ولاقت صدى جماهيريًا كبيرًا، فطلب منه تقديم أدعية بصوته مدته 5 دقائق بعد صلاة المغرب كل يوم في شهر رمضان.

سجل العديد من الأدعية الدينية لبرنامج "دعاء" الذي كان يذاع يوميًا عقب آذان المغرب، واشترك في البرنامج التليفزيوني "في نور الأسماء الحسنى"، وازدادت شهرته عندما بثت الإذاعة المصرية عملاً تحت اسم "الباحث عن الحقيقة سلمان الفارسي"، والذي أدى فيه قصائد العمل، بالإضافة إلى مجموعة من الإبتهالات الدينية التي لحنها محمود الشريف وسيد مكاوي وبليغ حمدي وأحمد صدقي وحلمي أمين .

ترك للإذاعة ثروة من الأناشيد والابتهالات، إلى جانب بعض التلاوات القرآنية لدى محبيه، من أشهر أعماله: "يارب كرمك علينا، ربنا، ليلة القدر، النفس تشكو، مولاى، أيها الساهر".

في برنامجه الشهير: "العلم والإيمان"، وصف المفكر الراحل الدكتور مصطفى محمود، الشيخ النقشبندي بقوله إنه "مثل النور الكريم الفريد الذي لم يصل إليه أحد".

وقد أجمع خبراء الأصوات على أن صوته من أعذب الأصوات التي قدمت الدعاء الديني، فكان صوته مكونًا من ثماني طبقات، وكان يقول الجواب وجواب الجواب وجواب جواب الجواب، وصوته يتأرجح ما بين الميترو سوبرانو والسبرانو.

طافت شهرته الآفاق، فتلقى دعوات من الدول الإسلامية في دول الخليج وسوريا وإيران وعدد من دول المغرب واليمن، وفي الستينيات ذهب لأداء عمرة، وشدا بصوته بابتهالاته وأناشيده، وقد حصل على العديد من الأوسمة والنياشين من الدول التي زارها.

قصة غنائه من ألحان بليغ حمدي

وكان الرئيس الراحل أنور السادات من عشاق صوته، حتى إنه كان سببًا في تعرفه على الملحن الشهير بليغ حمدي، بعد أن طلب من الأخير أن يلحن له، وقد كان.

ولذلك قصة طريفة، فقد كان النقشبندي مدعوًا لحفل زفاف ابنة السادات، طلب منه الرئيس أن يقوم بأداء ابتهالات من ألحان بليغ. لكن النقشبندي كان في البداية متحفظًا على الغناء من ألحانه، لأنه كان يرى نفسه في اللون الأغاني الذي اشتهر به، فبدا وكأنه في ورطة بسبب الرئيس الذي أشار على الإذاعي وجدي الحكيم بأن يجمع بين الموهبتين الفريدتين معًا.

وبعد أيام، ذهب النقشبندي على مضض لمبنى الإذاعة برفقة الحكيم، وظل يردد باستياء: "على آخر الزمن يا وجدي، يلحن لي بليغ"، معتقدًا أن بليغ سيصنع له لحنًا راقصًا ولن يتناسب مع جلال الكلمات التي ينطق بها في الأدعية والابتهالات.

وحاول الحكيم تهدئته، دون جدوى، وفكر في الاعتذار، إلى أن اتفق معه ي النهاية على الاستماع لبليغ، وإذا لم يُعجب باللحن الذي سيصنعه، سيرفض الاستمرار.

يقول الحكيم إن الشيخ النقشبندي ظل طيلة الوقت ممتعضًا، وبعد نصف ساعة من جلوسه مع بليغ في الاستوديو، دخل ليجد الشيخ يصفق قائلاً: "بليغ ده عفريت من الجن".

وقد خرج بليغ عن النمط التقليدي للأغنية الدينية وأدخل "الأورج" و"الجيتار" في ألحانه التي أداها الشيخ النقشبندي، ومنها "مولاي إني بباك"، "الساهر"، "بدر الكبرى"، "أخوّة الحق"، "يا دار الأرقم" و"أقول لأمتي".

وفاة مفاجئة

وقد يعجب البعض حين يعرف أنه مع ما حققه النقشبندي من نجاح وانتشار واسع إلا أنه توفي في سن مبكرة إثر نوبة قلبية في 14 فبراير 1976، وعمره لم يتجاوز الـ55 عامًا، لم يعان قبلها من المرض، لكنه شعر بدنو أجله قبل يومين من وفاته، وكان قد وصل للقاهرة مساء ليلة الخميس للمبيت عند أخته، استعدادًا للذهاب إلى مسجد التليفزيون يوم الجمعة 13 فبراير 1976 لتلاوة قرآن الجمعة، فقد شعر بعد صلاة العشاء بتعب في الصدر، وحاول الاعتذار عن الذهاب للتليفزيون، لكنه فشل فى التواصل مع أى أحد من قيادات "ماسبيرو".

وتحامل على نفسه قدر الإمكان، حتى جاء موعد الذهاب إلى التليفزيون، وصلى الجمعة وعاد إلى طنطا بالليل، وأثناء مروره في الشارع المؤدي لبيته شاهد سرادق عزاء كبيرًا، نظر إليه وهو يقول لأحد مريديه الذي كان يصاحبه: كم أرى الجمال في هذا السرادق يا صديقي، تعجب الرجل من قوله، وقال له: لماذا تقول هذا الكلام يا مولانا: رد: لأننى سأموت، انزعج صديقه من قوله، وقال له: لماذا تقول هذا يا سيدنا الشيخ؟.

واصل سيره حتى وصل إلى بيته، واستلقى على سريره، وسلم على أولاده كلهم، ثم نهض من سريره، واصطحب صديقه.. ونزل من بيته وذهب يمر على كل الجيران والأصدقاء يسلم عليهم ويودعهم، وأثناء ذلك تم استدعاء طبيب صديق له.. وطلب منه إجراء بعض الفحوصات والتحاليل الطبية في المستشفى في الوم التالي، وأثناء وجوده بالمستشفى كان يجلس على كرسي، وفجأ أسند رأسه للخلف، ونطق بالشهادة ثم مات.

كرمه الرئيس السادات عام 1979 بمنحه وسام الدولة من الدرجة الأولى، وذلك بعد وفاته. كما كرمه الرئيس الأسبق حسني مبارك في الاحتفال بليلة القدر عام 1989 بمنحه وسام الجمهورية من الدرجة الأولى، وذلك بعد وفاته أيضًا.  

كرمته محافظة الغربية التي عاش فيها ودفن بها، حيث أطلقت اسمه على أكبر شوارع طنطا والممتد من ميدان المحطة حتي ميدان الساعة.