الجمعة 29 مارس 2024
توقيت مصر 14:59 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

الاعتذار عن الفتوحات.. ثرثرة ومكايدة

الكلام عن ضرورة أن يعتذر المسلمون عن "الفتوحات الإسلامية".. هو من قبيل "المكايدة" والثرثرة الفارغة.. حتى لو افترضنا جدية الطلب، فهو مدفوع بنزعة شديدة السذاجة: تحكم على الماضى بمعايير الحاضر.
الفتوحات كانت فعلاً "غزوًا".. وهكذا كان يطلق عليها المسلمون الأوائل.. ولكنها كانت فى إطار "المشروعية الدولية" آنذاك أى كان النظام الدولى القديم كله يقوم على الفتوحات "الغزو" والتمدد والتوسع الإمبراطورى ويعترف بها.
الذى طلب "الاعتذار" عن الفتوحات، قدم أكبر خدمة للمتطرفين الإسلاميين الذين ما انفكوا يتهربون من هذا السؤال: هل يصلح نظام "الغزوات/الفتوحات" ليكون مشروعكم الذى تقدمونه للعالم الآن.. وهل سيقبله النظام الدولى الجديد الذى ترتب على أوضاع ما بعد الحرب العالمية الأولى؟!.
هل تقبلون بالدولة الوطنية (فى طبعتها الحديثة).. أم بالدولة التى تقوم على الغزو والفتوحات والصدام مع العالم؟!.
هل يصلح ـ مثلاً ـ الوضع القانونى والدستورى للأقليات الدينية (أهل الكتاب/أهل الذمة) الذى كان قائمًا فى "دولة الغزو والتوسع/ الخلافة" ليكون جزءًا من القانون والدستور فى الدولة الوطنية الحديثة؟!.
ولماذا لا يدين الإسلاميون (أو المسلمون فى العموم) الانتهاكات التى ارتكبت أثناء الفتوحات أو فى التاريخ الإسلامى حتى مع المسلمين المعارضين لـ"الخليفة".. العباسيون قتلوا 600 ألف مسلم وفى رواية أخرى مليون مسلم من أجل "تثبيت" دولة الخليفة العباسي!!.
المطلوب ليس الاعتذار عن الفتوحات.. ولكن الاعتذار عن الانتهاكات التى ارتكبها سلاطين ما سميت "دولة الخلافة" وهم يرفعون المصحف بيد.. وباليد الأخرى سيوف خضبت بدماء الآلاف من المسلمين.
وأيا ما كان الأمر يبقى أن نقول من باب الإنصاف والعدل: إن الفتوحات الإسلامية فى حينها كانت "إنقاذًا للعالم".. ونقلت الدنيا كلها من "الظلمات" إلى "النور" وهذه حقيقة يطول شرحها.. ويكفينى أنا على المستوى الشخصى أنه لولا الفاتح العربى المسلم عمرو بن العاص، لكنت أنا وملايين المصريين مثلى، عشنا ومتنا على عبادة الحجر والبشر إلى وقتنا هذا.
هذه حقيقة تاريخية ومن الثوابت العقلية المستقرة فى ضميرى الشخصى.. أما مسألة الاعتذار عن الفتوحات فهى كما قلت فيما سبق "ثرثرة ومكايدة".. ولكن ربما من المفيد أن ندين الانتهاكات والعنف الدموى الذى ارتكب فى التاريخ الإسلامى القديم بصراحة ووضوح، لأن الإسلاميين فرضوا على تلك الانتهاكات "قداسة" و"حصانة" تعصمها من النقد، متوهمين أن "النقد" أو "الإدانة" يدينان التاريخ الإسلامى كله (حلوه ومره) وبالتبعية قد يضران بمشروعهم السياسى الحالى الذى يقدمونه كبديل لـ"الدولة الوطنية".