السبت 20 أبريل 2024
توقيت مصر 01:29 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

في حواره مع «المصريون»

د. أسامة حمزة: «فن الخزف» أرخ للبشرية تاريخ الحضارات

د. أسامة حمزة

*  ارتفاع تكلفة إنتاج الخزف سبب عزوف الفنانين عن الانخراط به

*  .أعمالي تحمل الإرث الروحي للقرية المصرية

عشق الطين وذاب في مغازلته فجعل من الطين لوحات فنية تنطق من إبداعه وأصبحت أعماله تحمل سر هذا الولع، أقام العديد من المعارض، وشدت أعماله الأنظار، حيث كان يحمل دفء القاهرة، و صفاء سماء الريف المصري، نستكشف ذلك عندما ندخل عالمه، ونلاحظ الجهد المبذول في أعماله، وكأن الطبيعة تركت بصماتها عليها، مما أعطاه تفرداً أشاد به الجميع، إنّه الفنان الخزاف أسامة حمزة أستاذ الخزف بكلية التربية.. الذي كان لنا معه هذا الحوار..

* * في البداية.. حدثت في العقود الأربعة الأخيرة ثورة في عالم الخزف الفني.. كيف  كيف ترى هذا التطور ؟

يجب أن تعلمي أن الثورة التي حدثت في عالم الخزف لم تكن  في مصر فقط، وإنما التغيير شمل العالم كله، فخلال العقود الأربعة الأخيرة حدثت ثورة في عالم الخزف الفني الخالص، حيث نجد أن الخزف ومهرجانات عرضه الدولية دفعته ليقفز قفزات واسعة وأن تكون له حظوة كالرسم والنحت، وبالتأكيد يعتبر عالمنا العربي والخليج جزء من العالم، ولذلك لابد أن يحدث فيه تغير سواء في شكل أو هدف المنتج الخزفي، ولكن ربما يكون التغيير في الشكل الخزفي  بطيئا نوعا ما في منطقتنا العربية، نظرا لكثرة الموروث الثقافي والفني القوي الذي مازلنا نتمسك به بقوة، وهو ما جعل معادلة التغيير في الشكل والفكر ليست بالبسيطة، لكن رغم هذا أصبح لفن الخزف مكانة خاصة ومميزة، ابتداء بمراحل التعليم المختلفة وصولا إلى أقسامه الخاصة في الكثير من معاهد الفن وكلياته وأكاديمياته، كما أن تخصص الكثير من المعارض الفنية والمعارض التي تقام بشكل دوري والمهرجانات بفن الخزف المعاصر أسهم في حضور مميز لفن الخزف أسوة بباقي الفنون من رسم و نحت وغيرها، بالإضافة إلي هذا  هناك جمهور واسع يواظب على حضور معارض فن الخزف واقتناء أعماله، كما أن أعمال الخزف دخلت بقوة في التصميم الداخلي والخارجي للكثير من البيوت والمباني الخاصة والحكومية ويرجع ذلك لتميزه عن باقي الفنون بعدم التأثر بعوامل الزمن.




** هل يحظى هذا الفن بما يستحق من الاهتمام  سواء بالعرض أو الاقتناء أو النقد  في مصر؟

للأسف.. لا يلقى الخزف الاهتمام الذي يستحقه كبقية مجالات الفنون التشكيلية، وذلك يعود للكلفة العالية لمواد فن الخزف، والأفران الخاصة بهذا الفن من جهة، ووجوب إيجاد أستوديو خاص لمزاولة هذا الفن من جهة أخرى، بعكس الفنون الأخرى التي يمكن مزاولتها في أي مكان كفن الرسم مثلا، كما أن كلفة المواد الأولية المستخدمة في هذه الفنون لا تقارن بتكاليف فن الخزف، وللأسف هذه الأسباب وغيرها أعاقت عمل الكثير من الشباب الذين كان يمكن أن يصبحوا أسماء مهمة في ساحة الفن التشكيلي، كما لا يخفى على الجميع صعوبة مزاولة هذا الفن المعقد الذي يحتاج الكثير من الصبر والخبرة المتراكمة والتجريب، حيث يمر العمل الفني الخزفي بمراحل كثيرة إلى أن يجد طريقه إلى المتلقى.

** هل نعتبر هذا تفسيرًا لقلة فناني الخزف نسبة إلى الفنون الأخرى ؟

هذا صحيح.. ففن الخزف مجال شاق، ومكلف جدا، ودائما الإنسان يميل إلي الجانب السهل، كما أن هذا الفن يتطلب من الفنان أن يكون ملما بطبائع الخامات وكيميائيتها، فهو من المجالات التي ينتهي فيها العمل في جلسة، وإنما يحتاج إلي مراحل كثيرة حتى يخرج العمل بصورة جيدة.

** مع أن الخزافين قلة في مصر.. إلا أنك اخترت الخزف دون غيره من الفنون الأخرى التي تدرس في كلية الفنون ؟

لأني علي قناعة تامة بمدى الارتباط بين الطين والإنسان فهو عشق منذ الصغر بهذا الفن العريق، فهو قريب وملامس ومحاكي لكل ضروب الفن، فالقطعة الخزفية فيها الشيء الكثير من النحت والرسم والتصميم واللون، وكل هذه الفنون تجتمع في هذه القطعة الخزفية، كذلك فإن الخزاف يجب أن يكون نجارا وحدادا ومصمما وكهربائيا ليتمكن من إنتاج عمل خزفي متقن، وحيث أنني كنت قريباً من الكثير من هذه المهن كان من السهولة لي أن أدخل في هذا المجال. ولكن بعد مزاولتي هذا الفن لأكثر من خمسة وعشرين عاماً لم أعد أواجه صعوبات كبيرة في عملية إنتاج العمل الفني وأعتقد أنه عندما تجتمع الموهبة مع الدراسة الأكاديمية والحرفية   بقدر كاف يصبح من السهل إنتاج عمل خزفي مميز، ومع البحث والتجريب تكون هناك شخصية واضحة وأسلوب مميز للخزاف وللعمل الخزفي معاً .

** خلال عملك خزافًا على مدار 25 عاما..هل يمكن القول عن أعمالك إنها تطورية.. بمعنى إنها بدأت بأشكال محددة ثم أخذت تنمو بمراحل حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن؟  

25 عاما ليست بالوقت القليل، فالإنسان شكله يتغير فما بالك بعمله، والمتتبع لأعمالي منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي يستطيع أن  يرى أن هناك سلسلة تربط الأعمال سواء المبكرة في الإنتاج أو المتأخرة.

** كيف تصنف أعمالك.. هل هي تاريخية الطابع أم حديثة؟

 من المعروف أن الفنان يبدع ولا تشغل باله التصنيفات التي تقف أمام إبداعه، فهنا يأتي دور الناقد الفني المحترم الذي بدوره وعمله يكون النقد والتصنيف وخلافه، ولكني أرى أن أعمالي حداثية الطابع بجذور تاريخية.

** ما مصدر إلهامك الأول في أعمالك؟

مصدر الإلهام للفنان المتجدد ليس مصدرا واحدا، بل تتغير مصادر الإلهام بالنسبة للفنان حسب الظروف المحيطة به ومدى وعيه وثقافته وبحثه وتجريبه، فأنا أرى أن انحصار الفنان في مصدر إلهام واحد ربما يكون ذلك محددا لقدرات الفنان، أما عن مصدر إلهامي الشخصي فهي الطبيعة بأشكالها غير المحدودة.

**كيف تحقق الموازنة بين السيطرة على العمل وحدوث ظروف غير متوقعة تؤدي لتغيير شكل العمل؟

بالطبع هناك صعوبة.. ولكن لحصول هذه الموازنة  يجب أن  يتم السيطرة علي العمل وحدوث ظروف غير متوقعه تؤدي لتغيير شكل العمل، وهذا يقع علي عاتق الفنان، فدائما هو الذي يخلق الظروف الخاصة به كأي شخص عادي، لأن العمل الفني يتأثر بالعوامل النفسية والاجتماعية  للفنان وكذلك الظروف الخاصة به، والشكل الخزفي الذي يستغرق وقتا طويلا في الإنتاج لابد انه سيتعرض لعدة ظروف تؤثر علي شكله النهائي، فأي عمل فني بصفة عامة إذا طالت مده إنتاجه  فانه يكون محملا بالعديد من  التغيرات، أما الخزف فحدوث اللا متوقع هو حقيقة عند كل من يشتغل في هذا المجال، حيث أن للفرن حصة في التغيير في دقة اللون والملمس، كما أن ظروف الحرق لها حصة طريقة الحرق وسلوك بعض أكاسيد الفلزات له فعله أيضا ولكن الخبرة المتراكمة والذكاء له فعله، وتتناسب قلة التراكم عند الفنان بقلة الممارسة والعكس صحيح، وهنا لابد أن تتدخل خبرة الخزاف في معالجة بعض المشكلات التي يمكن أن تحدث لأن هذا الفن الصعب يأخذ جهداً كبيراً وصبراً قلما يوجد اختصاص يحتاج إلى هذا الصبر.

**ما الصعوبات التي تجدها في عملك كفنان خزف؟ 

من أهم الصعوبات عدم تقدير الخزف بما يليق به كمجال فني أرخ للعالم، ففن الخزف الذي كتب تاريخ الحضارات القديمة جميعها،  ففن الخزف لم يأخذ حقه بما يوازي اهتمام شعوب الأرض كلّها به خلال الحقبات الطويلة التي عاشتها البشرية ولطالما  كانت البقايا الخزفية الواصلة إلينا من تلك العصور والحقب مفتاحاً لمعرفة خفايا الحضارات المختلفة وأسرارها. 

* وما معيارك في الحكم على دقة الخزف.. هل هو اللمس والنظر والحدس أم التحليل المنطقي؟  

كلما حرك العمل الخزفي حواسي أكثر كلما كان أكثر نجاحًا، فهناك أعمال تكتفي بالنظر إليها وأعمال أخرى تستثير مشاعرك كي تلامسها، أما التحليل فهو عمل الناقد كما أشرت سابقا.


** للفن دور هام للارتقاء بالذوق العام ورغم ذلك لم يصل الفن إلى العامة.. ما تفسيرك لذلك؟

تقع المشكلة هنا على ثلاثية المكون الفني، الفنان، الناقد، المتذوق.

** النار والماء والتراب والهواء… العناصر الأربعة الأساسية كلها موجودة في فن الخزف.. هل يمكن أن يكون للعمل الخزفي بعد فلسفي أكثر من كونه عملاً فنياً جميلاً ؟

هذا حقيقي فلابد أن يكون للعمل الفني الخزفي بعدًا فلسفيًا، وإذا لم يكن له هذا البعد سيصبح عملا سطحيا فارغا .