الخميس 28 مارس 2024
توقيت مصر 12:59 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

سيرة قائد عظيم جدا..فى وقت سىء جدا

ليس أنسب من هذا الوقت السىء جدا والذى نواجه فيه عدوا خطيرا جدا من استدعاء سيرة قائد عظيم جدا .. أما الوقت السىء جدا فهو الوقت الذى وصفه فضيلة شيخ الأزهر بوقت الشعور بالخزى وهو يرى (أتفه) الشخصيات تتحدث عن أوطاننا ومقدساتنا وشعوبنا فى غيابنا ..مشيرا الى 28 يناير الماضى .. أما العدو الخطير جدا فهو ليس ولدا تافها(كوشنر) ولا متهما حقيرا(نتنياهو) ولا سمسارا محتالا(ترمب)..انما هو تلك المنظومة الغربية الخفية المريبة التى لا تزال ترانا شرقا عربيا مسلما يحمل مشروعا كاملا لمواجهة حضارتهم..و يحمل فى داخله كل عوامل التحدى الحضارى على مستوى (الانسان والزمان والتراب) كما قال المفكر الكبير مالك بن نبى رحمه الله ..
قصة فلسطين/ اسرائيل قصة تتصل بتاريخ الصراع بين الشرق والغرب بكل مراحله ..من الحروب الصليبية الى الحروب الاستعمارية الى توطين اليهود فى الارض التى تفصل شرق العالم الاسلامى عن غربه,, دعك من تماحيك أرض الميعاد والهيكل ..كل هذه الاشياء اسمها (الذرائع) أو الحجج ..وسواء كان هذا الغرب يفعل ذلك مدفوعا بدوافع عقائدية ودينية أو بدوافع اقتصادية استعمارية ..فهو فى النهاية هاجم أرضنا وبغى على ديننا وثقافتنا سواء لأنه يكرهها أو لأنها سبب قوتنا ومناعتنا الاخلاقية والثقافية والحضارية.
موشيه يعلون رئيس هيئة الاركان الجيش الاسرائيلى الاسبق(2002 - 2005) ذكر فى كتابه الهام(طريق طويلة قصيرة) أن النزاع في هذه البلاد هو جزء من حرب ثقافات تدور في الشرق الأوسط ما بين الثقافة الغربية التي تقدس الحياة وبين الإسلام الجهادي الذي يقدس الموت.. والعداوة الأساسية ضد إسرائيل تكمن في النظرة إليها على أنها تمثل الغرب في المنطقة .. أي الشرق الإسلامي وهذا هو السياق الذي يجب أن نرى من خلاله النزاعات في المنطقة.. ومن هنا يمكن الاستنتاج بأن مقولة (السلام مقابل الأرض)هي بعيدة كل البعد عن واقع المنطقة. علينا أن نتغلب على التهديد الإسلامي الجهادي كي ننتصر في حرب الحضارات..انتهى كلام (يعلون). هل كلام( يعلون) يختلف عن ما ذكرته لتفسير ما يجرى حولنا وبنا وفينا ومنا .
****
اما القائد العظيم جدا الذى جاء فى الوقت السىء جدا ليواجه عدو خطير جدا..فهو صلاح الدين الأيوبى.. وسبحان الله الذى خلق كل شىء فقدره تقديرا.. فإذا تاملنا فى وفاه شخصين أثناء ظهور صلاح الدين لوجدنا ما يدعونا للتامل العميق وهما(أسد الدين شيركوه) و(نور الدين محمود) .فبوفاه الأول فتح الباب امام صلاح الدين ليحقق النهوض بمصر..وبوفاه الثانى فتح له ليحقق وحده مصر والشام.
حين تولى صلاح الدين الوزاره فى مصر أيقن بأن مواجهة الصليبيين تبدأ من هنا ..مصر.. العمق الاستراتيجي للعروبة والاسلام _سيأتى كل أت الى الشرق وهو يعلم هذه الحتميه التاريخية والجغرافية كما يعلم أسمه واسم أبوه_ فقرر أن يبدأ العمل في هدوء.. أولا: لا بد من عودة مصر الى حضن الامه (الخلافه العباسيه) لأن الحرب القائمه ليست حربا إقليميه محدوده وثانيا : لكى يتم ذلك لابد من إتحاد جهود الامراء والعلماء.. فكان ما لابد منه ..إلغاء الخلافه الفاطميه (الشيعيه). العظيم والرائع فى هذا الأمر أن كل ذلك حدث بيسر و سلاسه تعبر عن(الطبيعه المصريه)الهادئه فى التعامل مع الانتقالات الحرجه..وتعبر عن فطنه غير محدوده من صلاح الدين ..وبدأ ترتيب البيت من الداخل.. والشعب المصرى سريع الالتقاط لرسائل الحكام .. فاذا كان الجد فهو فى طليعه الجد..ولو كان الهزل لكان فى طليعه الهزل .. هكذا يقول جمال حمدان عن الشخصيه المصريه.. فكانت الجديه واضحه فى رساله صلاح الدين.
***
كاد تعجل صلاح الدين باتصاله المباشر بالخليفه العباسى بدون علم (نور الدين محمود) أن يهدم حلم النهوض الذى كانت تنتظره الأمة وكادت تنشأ حرب بين مصر( صلاح الدين) و الشام(نور الدين محمود) ,, إلا ان صلاح الدين برشد العقل سارع الى استدراك هفوته وارسل اليه ما يطيب خاطره فورا .. ثم أكمل الموت الرسالة .. وجاء بعد نور الدين إبنه الصالح اسماعيل وبدأ صلاح الدين العمل معه على وحده مصر والشام واستأذن الخليفه فى ذلك..فأذن له وكان له ما أراد وترك جيشًا قويًا ببلاد الشام فيما عاد هو إلى القاهرة..
حين قرر صلاح الدين دخول معركته الكبرى قرر قبلها أن يخوض معركه صغرى كتجربه ليرى كيف تسير الأمور..فتوجه صلاح الدين إلى الشام لجس نبض الصليبيين لكنه لقي هزيمة عند مدينة الرملة ! ونجا منها بأعجوبة عبر عنها بقوله: وما أنجانا الله إلا لأمر يريده سبحانه .. ثم عاد إلى مصر متيقنًا أن الأمر ليس سهلا..فهادن ريموند الثالث فى انطاكية ووقع معه صلحًا لمدة ثلاث سنوات لتأمين هذه الجبهة.. ثم قبل هدنة أخرى مع بلدوين ملك بيت المقدس عام 1183م وارناط فى الكرك.
***
وحين تبين له أن تكليف(وإعدوا لهم ما استطعنم) قد تم على التمام والكمال ..التقط خطأ أرناط باعتدائه على قافله جاريه وتطاوله على الرسول صلى الله عليه وسلم فتأججت مشاعر المسلمين اشتعالا رغبه فى الجهاد .. و كانت الذريعه السياسيه لاعلان الحرب قد اعلنت عن نفسها
وبدأت رحله الجهاد الكبرى نحو بيت المقدس عبرعكا و الخليل و نابلس و الناصره و قيساريه و حيفا وبيروت و جبيل وعسقلان ..ثم الثمره الكبرى..( زهره المدائن) التى سلمها قائدها بشروط صلاح الدين دون قطره دم واحده (الصليبيون قتلوا سبعين الف مسلم ومسيحى ويهودى حين احتلوها قبل ثلاثه وتسعون عاما) ..ورُدت الكرامه الى مستحقيها وعاش المسيحيون العرب فى بيوتهم مكرمين ..وعاد اليها اليهود بعد ان كانت محرمه عليهم وقت احتلالها..!! نعم هكذا !! لا يدخلونها ..فالغرب المسيحى يكره اليهود كراهية مريرة وتاريخ الألام والذل فى حياة اليهود هو تاريخ أى إحتكاك لهم بالغرب المسيحى .
***
أثار سقوط بيت المقدس جنون أوروبا ودعا البابا جريجوري الثامن إلى إرسال حملة صليبية جديدة قادها ثلاثة ملوك: فردريك بربروسا ملك ألمانيا وريتشارد قلب الأسد ملك بريطانيا وفيليب أوجست ملك فرنسا وبالفعل وصلوا واعادوا احتلال عكا ..وحاول قلب الأسد ان يستعيد القدس لكنه فشل.. فعقد صلحا مع صلاح الدين(صلح الرمله 9/1192م ) وأن لا يتواجد الصليبيون فى غير الشريط الساحلى بين يافا وعكا . .
مرض صلاح الدين في أعقاب صلح الرملة وتوفى فى 4مارس 1193م وترك دولة تمتد من دجلة والفرات إلى النوبة جنوبا وإلى برقة غربا ودفن بدمشق ..ويقول المؤرخين أنهم وجدوا في خزائنه ديناراً واحدا وسبعة وأربعين درهماً‏ ,, وأنه كان فقيها وأديبا ودرس الحديث في دمشق و مصر والقدس وكانَ يحفظ ديوان الحماسة (أبو تمام) .. وتروى سيرته أنه كان خاشع القلب ..غزير الدمع .. مرتلا وسامعا للقرآن..لا يصلي إلا في جماعة وكان حريصًا على قيام الليل متهجدًا متبتلاً داعيًا ربه يحث جنوده على صلاة الليل.
الواقع أكبر من الكلمات ..لكن هذه سيرة هامة جدا فى وقت هام جدا ..قام صاحبها بإعمار الدنيا وصلاح الدين..فأنتصر وأنتصرت الأمة على الواقع السىء جدا.