السبت 20 أبريل 2024
توقيت مصر 00:31 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

مراد هوفمان.. كسب محمدًا ولم يخسر المسيح

هوفمان

"كسب محمدًا ولم يخسر المسيح".. تمثل هذه الجملة فهمًا عميقًا للإسلام، وتوضح ارتباطه بغيره من الأديان السماوية، فهي ستقود في النهاية دبلوماسيًا غربيًا إلى اعتناقه، لا اعتناقه فحسب، بل سيصبح داعية له، ومنافحًا عنه، ومصدرًا إياه لبلاده، "بلاد الغرب" باعتباره "الأصلح لها".

في 1931 كانت أسرة "هوفمان" المسيحية الكاثوليكية في ألمانيا على موعد مع ولادة طفلها "ويلفريد" الذي سيتغير اسمه لاحقًا إلى "مراد"، ذلك الطفل الذي سيحصل على الدكتوراه في القانون، قبل العمل في بداية الستينات سفيرًا لبلاده في المغرب والجزائر، والذي دعته بسالة أبناء بلد "المليون شهيد" في مواجهة الاحتلال الفرنسي إلى مزيد من النظر في دينهم، وقوة العقيدة التي تدفعهم مبشرة بالنصر وطرد الأعداء.

في غمرة الأحداث الملتهبة والدم المتناثر،  تتعرض زوجته إلى عملية إجهاض، فيحملها عبر سيارة أجرة إلى المستشفى، تحتاج إلى فصيلة دم، يتضح أنها نفس فصيلة دم السائق، السائق جزائري تسحقه قوة أوروبية شقيقة تلك التي قدم منها، السائق يسرع إلى الزوجة، يبذل دمه لها، هذا الدم الذي كانت تستعد فرنسا لإهراقه.

مسلم عربي يتبرع بدمه إلى أوربية أجنبية، على غير دينه، هذا الموقف الذي قصه لاحقًا، دفعه إلى التفكير في الإسلام، لم يُسلم، يحتاج تغيير الدين إلى تفكير وتحليل وموازنة، قرأ القرآن، عرف النبي صلى الله عليه وسلم، قارن بين كلامه ومواقفه، السلوك متسق مع الأفكار، الإسلام بسيط، هذه نظرته للإله والإنسان والكون، الإسلام بسيط هكذا صرح، ثم يدرس ويحلل ويفكر، ثم يُسلم في 1980، لينتهي إلى القول: "كسبت محمدًا ولم أخسر المسيح"، يُسلم ويتحول إلى أبرز الدعاة للإسلام في الغرب.

عرف "هوفمان" في الإسلام قوته، كان ينتقد دائمًا المسلمين المهزومين نفسيًا، وكان يعتقد أن الإسلام بديل صالح لحل جميع المشكلات، جميع مشكلات العالم.

أحدث اعتناقه الإسلام، جدلاً كبيرًا في الأوساط السياسية، نظرًا للمناصب الرفيعة التي تقلدها والتي خسرها في آن، فإلى جانب عمله سفيرًا في السابق، عمل أيضًا خبيرًا في الدفاع النووي، ثم مديرًا لقسم المعلومات في حلف "الناتو"، إلا أن الهجوم الشرس الذي انصب عليه، أدى في النهاية إلى إبعاده عن هذه المناصب.

تحول سفير ألمانيا السابق بالإسلام، من مسيحي متدين إلى مفكر إسلامي، مدافعًا عن الإسلام، حيث ساهم في إثراء الفكر الإسلامي بالعديد من المؤلفات، من بينها "الإسلام كبديل" و"الإسلام في الألفية الثالثة ديانة في صعود"، وكتاب "الطريق إلى مكة".

مؤلفات "هوفمان" لاقت صدى واسعًا، كما فجرت نقاشات كبيرة في الأوساط الثقافية والفكرية داخل ألمانيا وخارجها، بين فيها ما يميز الإسلام عن غيره، وكشف تفرده كدين وقدرته على قيادة ركب البشرية جمعاء إلى ما فيه خيرها ونفعها، هو دين المستقبل بلا شك، هكذا كان يعتقد.

مؤلفات "هوفمان" أثرت في كثير من المسلمين وغير المسلمين، وكانت له أياد بيضاء على الآلاف.

من أقواله:

"من بين كل الديانات التي أعرفها فإن دين الإسلام هو الأكثر عقلانية".

"الغرب يتسامح مع كل المعتقدات والمِلل، حتى مع عبدة الشيطان، ولكنه لا يظهر أي تسامح مع المسلمين، فكل شيء مسموح إلا أن تكون مسلمًا".

"إن الانتشار العفوي للإسلام هو سمة من سماته على مر التاريخ، وذلك لأنه دين الفطرة، وإن الله سيعيننا إذا غيرنا ما بأنفسنا، ليس بإصلاح الإسلام، ولكن بإصلاح مواقفنا وأفعالنا تجاه الإسلام".

والاثنين، ترجل المفكر الإسلامي عن فرسه ليلقى ربه بعد صراع مع المرض، عن عمر ناهز 88 عامًا، تاركًا كتبًا ومحاضرات تشهد له في ميدان التعريف بالإسلام، والدعوة إليه وفهمه، بعيدًا عن ضجيج الاتهامات وضيق المدارك.