السبت 20 أبريل 2024
توقيت مصر 16:28 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

عندَمَا يُمْسِي الإسلامي والإسلام "ذاتًا واحدة"!

إذا سُئل إسلامي: أنْتَ مُسْلم أم مُواطن؟! بَادَرك على الفور: بل مُسلم!، وهو رد يستند إلى ما استقرت عليه الثقافة الدينية السَّائدة، منذ عقود طويلة، والتي تُقدم الدين على كل شيء.
الرد ـ على هذا النحو ـ يُخلط بين "الدين" و"الديانة".. الإسلام والمُسلم "ذات واحدة"، وهي نزعة تُضْفي في كثير من الأحيان، القدَاسَة على الأشخاص، خاصة إذا ارتبطت أسماؤهم بالدعوة مثلا.. فإذا هَاجَمت أو نقدت الشيخ فلان أو الداعية "علان"، فقد تتهم على الفور بنقد الدين نفسه، رغم أن المُسْلم في عمومه ليس هو الإسلام، والداعية كذلك في المُطْلق ليس هو الإسلام، حتى في المذاهب نقول رأي أبو حنيفة أو رأي مالك أو رأي الشافعي.. ولا نقول "رأي الإسلام".
الخلط بين "الدين" و"الديانة"، خلَّف لنا تُراثًا مُعَاديًا للإنسانية من جهة، ولفكرة المُواطن/المُواطنة، وبمعناها الحديث من جهة أخرى، تراث لم تنقطع صلته بالحاضر، وإنما تتوارثه الأجيال المُتعاقبة، والآن يضعُنا أمام أصعب تحدٍ، يُؤهل العالم العربي، ليكُون جُزءًا من العالم، يكون أكثر إنسانية، واحترامًا لحقوق الإنسان.
حتى الآن يعتقد المُسْلم أنه كـ"مُسْلم" فإنه له "ميزة" أو "امتيازات" عن غير المُسْلم، يستبطن بوعي عدم المساواة على أسس دينية، تلك التي انتقلت إلينا من عصور "السلاطين/الخلافة" وما زالت حاضرة وبقوة في صوغ علاقة المُواطن المُسْلم بالسُلْطة من جهة ومع غيره من أصحاب الديانات الأخرى من جهة ثانية، سواء داخل الكيان السياسي الواحد أو خارجه (مع العالم) من حوله.
مع ظهور الإسلام السياسي وتوهجه في السبعينيات، بدأ بين طلاب الجامعات المصرية، إعادة إحياء الجانب الطائفي، في الفقه الدستوري الإسلامي، الذي ظهر في العصور الوسطى، بلغت حد أن رفض مُفْتي السلطان/الخليفة، إصدار فتوى تساوي بين المواطن المُسْلم والمُواطن المسيحي، لأنه يُخالف تطابق "الدولة والدين" في التشريع الإسلامي، ناهيك عن منح المُسْلم حق امتلاك السلاح وحرَّم ذلك على المسيحي، وتنحي المسيحي عن الطريق للمواطن المُسْلم!! وكنت أسمع بنفسي مثل تلك الحوارات بذات الفحوى (القديم) بين الطلاب الجامعيين في نهاية سبعينيات القرن الماضي "العشرين".
هذا التراث لا يزال حيًا في اللاوعي العام، وربما في قلب الوعي نفسه، ورأينا كيف انتقد الإسلاميون مشاركة الأقباط "المسيحيين المصريين" في الاحتجاجات الشعبية الكبيرة في 30 يونيو عام 2013 والتي مهدت للإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي.
الغضب الإسلامي من الأقباط ـ آنذاك ـ كان بدوافع تستقي دعمها، من التراث الفقهي القديم، بوصفهم "أهل ذمة"، لا حُقوق سياسية لهم في الدولة الإسلامية، ومنها حرمانهم حق البيعة أو اختيار أو عزل الرئيس المسلم.
التُراث ربما قد أحيل إلى المكتبات كأحبار وأوراق.. ولكنه لم يتخل عن حضوره القوي في الوعي والضمير المسلم، لا يزال يُشكّل قوام هذا الوعي وأسسه، ناهيك عن وظيفته الخطيرة في يد دعاة الفتن والحروب الدينية وأعداء المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات.. وحقوق الإنسان.. كإنسان أيًا كانت هويته أو دينه.