الثلاثاء 19 مارس 2024
توقيت مصر 10:35 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

العراق ولبنان..دعونا نشكر الفساد!!

لعلها المرة الأولى التى يجوز لنا فيها أن نمدح(الفساد)ونشكره  ونمتن له ,فقد استطاع أن يستدعى وحدة  (الجماعة الوطنية) في بلدين اجتمع عليهما أعدائهما قديما وحديثا لكى يمتلئان بالغابات الطائفية.
وما كان لعورات الطائفية الكريهة أن تتكشف للناس إلا حين بلغ الفساد الذروة وبلغ فيه الفاسدون الدرك الأسفل من البجاحة والشراسة , ولم يبق أمام الشعوب إلا وحدتها وقوتها في رحاب الوطن الكبير لا في زوايا الطائفية اللئيمة .
في النموذجين العراقى و اللبنانى سنعرف أن الحالة الطائفية مصطنعة اصطناعا وان هناك من يرعاها ويحرص على استمرارها سواء من  الخارج وهذا طبيعى جدا ومنتظر من الغرب وإسرائيل , أو من الداخل والذى يتبدى بالطبع في(زعماء الطوائف)سواء كانت عائلات أو أحزاب أو شخصيات , السبب الخارجى مفهوم وواضح وهو قديم من وقت  زوال الدولة العثمانية التى كانت تظلل كل الطوائف والملل  في سعة ورحابة  قبل مجىء الغزو الاوروبى , والسبب الداخلى مفهوم أيضا ,,إذ أن هناك كتل تاريخية(متوارثة)تكونت من هذه الحالة وتضخمت مصالحها ومنافعها منها تضخما ضخيما ضخوما للغاية .وأصبحت ميدانا مريحا ورحبا ومستديما لتوالد الطبقة السياسية ومواقع النفوذ والتأثير.                                                        

***
وكالعادة وكما يحدث دائما ومن يوم أن خلق الله أدم علية السلام ورفض إبليس لأمر الله بالسجود لأدم,, سيكون على كل(الأشرار)في كل الأوقات وفى كل الأماكن أن يعلنوا سببا غير حقيقة السبب , فإبليس رفض السجود لأنه أكثر علما بخصائص الطين والنار ممن خلق أدم وإبليس والطين والنار _سبحان الله وتعالى علوا كبيرا_  هذا هو السبب المعلن(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ? قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ...) ,, أما حقيقة السبب فإنه (استكبر) في نفسه وظن أنه من العالين ,وهكذا دائما عند أشرار البشر من أصدقاء إبليس .
فواقع الحال يقول أن أصدقاءنا ا(زعماء الطوائف)سيذوبون ويتبخروا تماما اذا تحققت(وحدة الجماعة الوطنية)في الاطار الوطني الكبير ولن تكون هناك طوائف يتزعمونها  ويتكلمون باسمها رعاية لمصالحها وحماية لخصائصها لأنه ستكون مصالحها وخصائصها فى حضن الوطن الكبير ,, وليس في حضن عائلة الحكيم أو الصدر أو أمل أو الحريرى مثلا . ولن يكون عليهم إلا أن يختبروا أنفسهم في الساحة الوطنية الواسعة , ولن يصح إلا الصحيح في النهاية .     

****                                                                                                      
سنتذكر أننا عانينا طويلا  في مصر من حالة الزعامة الطائفية و التى عاش وتنيح عليها غبطة البابا شنودة الثالث 40 عاما وكان الرئيس السادات بفراسته النادرة أول من أكتشف فيه ذلك, في حين أن كل البطاركة السابقين كانوا يتركون الشأن المدنى في مجريات الحياة اليومية  للتفاعل الطبيعى في اطار الوطنية الجامعة, لكن غبطته استطاع ان يصنع حالة تتلخص في أن يكون هو فقط من يقرر الشأن القبطى  و احتجز إخواننا الأقباط عنده خلف أسوار الكنيسة . سنحتاج وقت طويل حتى تتفكك هذه الحالة ,والزمن بالفعل جزء هام من العلاج .
نفس الأمر وعلى نطاق أوسع في العراق ولبنان .. سوريا مختلفة , هى حالة طائفية أيضا لكنها مختلفة اختلافا نوعيا كبيرا ,, فلأول مرة في التاريخ تقوم (طائفة)باحتلال كامل لوطن بأكمله , احتلال عسكرى واقتصادى وسياسى , والشعب السوري أخطأ خطأ فادحا حين انطلت عليه مسرحية القومية والعروبة(حافظ وبشار)من يوم انقلاب 1970م وتصور السوريون ان النظام السياسى الذى ثاروا عليه كان كباقى الأنظمة السياسية في بلدان الربيع العربى, وادركوا في وقت متأخر جدا أنها حرب(الطائفة المحتلة)ضد الوطن وشعب الوطن , والتى سارعت ايران وحزب الله الى نجدته فورا .. إنها الطائفة ثم الطائفة ثم الطائفة .. وجاءت ورائهما روسيا التى استدعتها(الطائفة)وقدمت لها كل ما تريد لحمايتها ,, وان ضاعت سوريا التاريخية واختفت , سوريا لا يوجد لها نظير في كل المشرق  والمغرب العربى .
في لبنان والعراق الفساد كان له دور كبير في غضب الناس الذين كانوا متلاحمين ومصطفين يرفعون أعلام الوطن والدولة, مبتعدين عن أى عنوان حزبى أو طائفى , كانت كلمة السر هى( الإصلاح),, السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد وتغيير الطبقة السياسية الحاكمة وإنهاء فكرة حكم  الطوائف والسعي إلى تأسيس نظام يتسم بالاستقرار السياسي والتعددية والمشاركة الديمقراطية.
***
المشكلة تبدو أكبر في العراق بطبيعة الحال فالعراق بلد كبير بثروات كبيرة..لكن الفساد وصل فيه إلى مستويات غير عادية,, عندما تأسس النظام السياسي في العراق بعد 2003 م كان يحمل في أحشائه جنين الفساد وتوأمه اللصيق (القمع) وعلى أرضية الطائفية الكريهة ,, الأسس التي قام عليها هذا النظام كانت تقسيم المجتمع طائفيا بشكل متواز مع توزيع الغنائم سياسيا ,, وهو ما جعل العراقيون ينظرون للمشهد كله باحتقار شديد..أنهم ليسوا ساسة أطهار, أنهم مجرد مصلحجية ومنتفعون يختبئون و يتمترسون خلف مجموعات المصالح التي يمثلونها .  لا أحد يستفيد من وجودهم إلا هم  وعائلاتهم  و زمرتهم ,هذا النظام ما عاد قابلا للاستمرار ولأنه هو أول من فهم ذلك كان شديد العنف والشراسة في التعامل حركة الجماهير في الشارع .
منذ اندلعت  التظاهرات بدا واضحاً حجم التلاحم الوطنى بين الناس، الجماهير الكثيفة التى تملأ الميادين والشوارع , الهتافات تكاد تكون واحدة في البلدين أصابع الإتهام كلها تتجه نحو الفساد و الطائفية.. المدهش أن رد الفعل  من (زعماء الطوائف)  كان واحدا ,, وكما يقول المصريون كأنهم (باصقين في أفواه بعض).. الأطراف الخارجية /انهيار الاقتصاد والمؤسسات.
(هذه العبارات لم تعد صالحة ولم يعد أحد يُلقي لها بالاً)هكذا تحدث احد المشاركين في التظاهرات..مضيفا :حتى في معسكرات هؤلاء أنفسهم,, هناك من لم يعد يؤيد تلك الاتهامات وينضم للحراك , الاحتجاجات كانت أولاً وقبل كل شيء ذات وجه اجتماعي وغضبها ضد الطبقة السياسية التى تختبىء خلف مجموعات المصالح التي يمثلونها ويحتمون بها.
***
لكن ما البديل ؟ والى أى مدى يمكن لهذه التظاهرات أن تستمر وأن تثمر واقعا جديدا ؟
البديل لهذه الأنظمة الحاكمة _ للأسف_ سواء في العراق أو لبنان غير موجود , كما ولا يمكن أن يوجد بين يوم وليلة .. هى أنظمة  طال وجودها في السلطة وضربت بجذورها عميقا ,, و أى انتخابات جديدة على الأسس القديمة ستنتج نفس الواقع المرفوض , حق الوقت الأن وواجبه الأسمى هو تلاحم كل المكونات الوطنية والعمل على تكوين حكومات تكنوقراط(كفاءات),, وتفكيك الحالة الطائفية تدريجيا ,خٌدًام المعبد لن يتراجعوا بسهولة..
الوصول إلى تلك الغاية ليس سهلا ولن يكون سريعا.