الثلاثاء 19 مارس 2024
توقيت مصر 12:49 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

الهجوم القادم: إذاعة القرآن الكريم

بعد التطاول على الأزهر وشيخه وعلمائه وبعد التطاول على الشيخ الجليل محمد متولى الشعراوي ..أظن أن الهجوم القادم سيكون على (إذاعة القرآن الكريم)..فبنظره منصفة وعادلة وموضوعية سنكتشف أن الله حفظ للمصريين تدينهم وإسلامهم خلال القرن الأخير وحتى الآن بالأزهر والشعراوي وإذاعة القرآن الكريم..وهو ما يسبب ضيقا وغيظا شديدا في صدور بعض كارهي فكرة الإيمان بوجه عام..وفكرة الطابع الديني عند المصريين بوجه خاص..وكما تقول الأمثال (لابد للمصدور أن ينفث) أي من كان عنده وجع وغيظ في صدره طبيعى انه ينفخ وينفث و(يريل)في بعض الأحيان,, و(الريالة)يعرفها المصريون جيدا سواء في وصفها الحقيقي (سيلان اللعاب من الفم) أو في وصفها المجازي (الكلام التافه).


***


أحيانا يحلو للبعض القول أن من ساهم في حفظ تدين المصريين وحرصهم على إسلامهم هو التيارات الدينية وهو قول يشبه الحقيقة لكنه ليس بحقيقة.. فالتيارات الدينية السياسية(في السبعينيات) لم تعبأ كثيرا بالجانب الروحي والأخلاقي بالعمق التربوى والنفسي الذى كان يرجى منها  وكانت الحالة الدينية لديها أقرب إلى الحشد والتنظيم والتعبئة السياسية والأثر الذى تركته لدى المجتمع في هذا الجانب كان باهتا للغاية ويكاد يكون محصور في المظاهر والشكليات ..وكنت قد كتبت عن رأى العلامة د/حامد ربيع فى هذه الظاهرة(د/ربيع هو أول من أدخل الفكر الإسلامي إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التي كان يتألق فيها الفكر الكنسي الكهنوتي كما قال..)كان رأى دكتور ربيع فى هذه الظاهرة والتى قالها قبل وفاته مباشرة 1989م (..إن الإسلام عنصر قوة للمجتمع وأنه يعنى نظامًا للقيم التى ترفض عبودية الإنسان وتعلن عن حق المواطن فى رفض ومقاومة الطغيان..لذلك جرت وتجرى المحاولات الشريرة لاختلاق ما يساعد على الاصطدام به ؟! والسعي لإضعاف تأثيره فى النفوس والعقول بدعاوى كثيرة معروفة !؟)
هكذا تحدث الرجل في نهاية الثمانينيات,, وبالفعل تم سحب (القوة الأخلاقية) التى يمثلها الإسلام فى منظومته للقيم والتربية..والقوة النفسية فى رفض عبودية الإنسان للإنسان وقوته التأثيرية على العقول والنفوس,, وتحول إلى(حالة صدامية)مع سلطة الدولة,,وانصرف الناس وانشغلوا عن المفهوم العميق لمعنى الإسلام لله ..روحًا وجسدًا وأسرة ومجتمعا ووطنا إلى متابعة تلك الحالة الصدامية التى تكونت وتكون حولها ما يدعو إلى الدهشة المريبة .

***
أغلب أصدقائنا الذين يتطاولون من فترة لأخرى على الأزهر الشريف وشيخه وعلمائه هم من أصحاب(الأفكار الميتة)التى لاواقع لها..موضوعهم ليس الأزهر وليس التجديد.. موضوعهم الحقيقي هو الإسلام نفسه وما الحكاية إلا(التكبر)على صحيح الدين والتجربة التاريخية العظيمة للآمة ,, هم محدودي المعرفة بالفكر والفقه والتاريخ الإسلامي والخلاصة التى نادرا ما يفصحون عنها هى رغبتهم الخبيثة في تحجيم حضور الدين فى واقع حياة الناس وحصار الدين إلى أدنى مستوى من التمثل الاجتماعي والفكري..كما وصفهم العقاد رحمه الله من الأربعينيات وكأنه يصفهم اليوم أيضا:(أنهم يكرهون كل ما يحيى في الأمة نخوة وطنية أو روحية).
نفس الأمر سنجده مع إمام الدعاة(الشيخ الشعراوي)..فالشيخ الشعراوي يمثل عقدة حقيقية لبقايا اليسار و المثقفون المزيفون وبعض الشرائح الاجتماعية المنفلتة أخلاقيا وقيميا..الرجل وببساطة بالغة نفذ إلى قلب وعقل المصريين وفتح نوافذ وعيهم ووجدانهم على كتاب الله(القرآن الكريم)القوة المركزية الراسخة في دائرة الإسلام عقيدة وإيمانا وفهما وفكرا وسلوكا .
أذكر أن الدكتور حسين مؤنس الأستاذ بآداب القاهرة وهو من هو.. كاتبا ومؤرخا ومفكرا وروائيا وصاحب (اطلس تاريخ الاسلام) وقل ما تشاء عنه .. سأل فضيلة الشيخ مرة في دهشة وإعجاب وتقدير عن هذا الجهد والإنجاز الضخم في التفسير والشرح لكتاب الله فرد عليه الشيخ بأدبه الجم : فضل جود..لا بذل مجهود يا د/حسين ..والحق أن لفضيلته إشراقات وفتوحات في التفسير والفهم لم يسبقه اليها أحد . 
رأى المفكر الكبير د/حسين مؤنس هو الرأى الأغلب الأعم لدى كثير من المفكرين والكتاب الكبار..الكبار علما ومقاما وفكرا..كيف يتساوى هذا مع رأى أحد المزفلطين المحفلطين الذى يقول (إن الرجل يدفعني دفعًا إلى الخلاف معه فلم أر شيخًا يمثل مجموعة من الأفكار الرجعية المناهضة للعلم والتقدم إلا الشعراوي).. يدفعك دفعا !! يا لهول الدفع الدفيع الدفوع الذى يسيطر على أفكارك السامقة الناقمة أمام هذا الشيخ الرجعى المناهض ..(كناطح صخرة يوما ليوهنها ** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل..) والوعل : نوع من الماعز له قرون طويلة..وما نراه تجاه الشيخ خلال الفترة الماضية ما هو إلا ما تحكيه الحكايات عن الوعول والمعيز وما تفعله من نطح الصخور والجبال.

***

أما إذاعة القران الكريم والتى أتوقع ان يأتى دورها في التطاول والهجوم..ليس فقط لما تقدمه من تلاوة أناء الليل اطراف النهار وليس فقط لما تقدمه من ثقافة إسلامية ووعى فكرى وفقهي ,, وإنما لأنها استفتاء حقيقي على (مزاج) الشعب المصري..فهى  حتى يومنا هذا  تتربع على المرتبة الأولى من حيث الاستماع  وفق التقرير الذي أصدرته الإدارة المركزية لبحوث المستمعين والمشاهدين بالأمانة العامة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون(حجم الاستماع لإذاعة القرآن الكريم 84.2% من حجم متابعي شبكات الإذاعة المصرية) وأكد التقرير زيادة حجم الاستماع لها نظرا لتعدد وسائل الاستماع من أجهزة الاستقبال الفضائي والهواتف المحمولة والإنترنت وغيرها و أن 57% يتابعونها بانتظام من حجم الاستماع للإذاعة المصرية عامة  وأن  95.6% من المستمعين يتابعونها من أجل التلاوة القرآنية والتى هى القيمة الأساسية في هذه الإذاعة ثم الثقافة الدينية ..
وإذاعة القرآن الكريم أحد أعظم انجازات(د/عبد القادر حاتم) هذا الاسم الكبير الذى لا يكاد يذكره إلا القليل ,, تقول الحكاية انه هو والشاعر الكبير محمود حسن اسماعيل صاحب قصيدة(النهر الخالد) و الاذاعى والعالم الكبير د/ كامل البوهى كانوا اصحاب فكرة انشاء اذاعة خاصة للقرآن الكريم التى رحبت بها الدولة عام 1964..ويذكر أيضا أن الاستاذ مدحت عاصم مدير الموسيقى فى الاذاعة كان قد كتب خطابا الى الرئاسة فى هذه الفترة مطالبا بتخصيص وإنشاء اذاعة خاصة للقرآن الكريم .
ولن أعلق كثيرا على الدور الوطنى والحضارى لهذه الشخصيات الكبيرة فما قدموه وما أنجزوه متروك للتاريخ وليرحمهم الله جميعا ويتقبل منهم أحسن ما عملوا.

***

لكن علينا أن نتذكر دائما أنه طالما بقى الإسلام تحديا ثقافيا وأخلاقيا لقيم الغرب وحضارته و يحمل فى داخله إحياء وبعث الأمة فى مواجهة ذلك الغرب ودراويشه الذين يقيمون بيننا ,, سيستمر الهجوم الملتوى والمتخفى على الإسلام  وعلمائه و رموزه واستخدام كل الطرق والوسائل لذلك .. وأتصور أن هذا التطاول والهجوم لا يجري تلقائيا و ليس سلوكا فرديا ,, والهدف النهائي منه التشويه والتشكيك والهدم ,، و أن يتم اضعاف الشعور بالانتماء لدى الشباب تجاه وطنهم ودينهم ,، وأن يشعروا بأن تاريخهم ورموزهم لا شيء ,, ومن ثم لا يشعرون بالغيرة والانتماء لا لوطنهم  ولا على دينهم.