السبت 20 أبريل 2024
توقيت مصر 02:02 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

نعمة الابتلاء وتعليم كورونا للبشرية

عادل عامر 2
أن التشفي على كوارث ومآسي غير المسلمين هو شكلٌ من أشكال (الكراهية) وتكريس البغضاء للآخر، والذي يسعى العالم المتحضِّر إلى تلمس الأسباب لانتزاعه، واستبداله بالتسامح والتعايش ليعم الأمن والسلام كل البشر على اختلاف أديان البشريةُ مهما بَلَغُوا منْ علمٍ وأُوتُوا مِنْ قُوةٍ وإمكاناتٍ ماديةٍ وتَقنيةٍ فَهمْ أمامَ قُدرةِ اللهِ -تَعالى- ضُعفاءُ،
 فاللهُ -جلَّ وعلا- يَمْلكُ هذا الكونَ بما فيه، ويُسلِّطُ بعضَ آياتِه على عبادِه، تذكيرًا واعتبارًا بعظَمتِه وشديدِ بطشِه، وقدرتِه حتى يُراجِعُوا أنفسَهم ويُسلِّموا لهُ أمرَهُم، قالَ جلَّ وعلا: (وَمَا نُرْسِلُ بِالآياتِ إِلا تَخْوِيفَا)[الإسراء: 59]، 
وإذَا اغترَّ البشرُ بما أُوتُوا أَتَاهمُ اللهُ مِنْ حيثُ لمْ يَحْتَسبوا، وقذفَ في قُلوبِهم الخوفَ والرُّعبَ كمَا هُو مشاهدٌ في البلادِ التي ابْتُليتْ بهذا المرضِ، فَلمْ يُغْنِ عَنْهم ما في أَيْدِيْهمْ مِنْ إِمكَاناتٍ هائلةٍ وقُدراتٍ كبيرةٍ. 
هذَا المرضُ أَسْقطَ كلَّ الْقُوى، وغَلبَ الإمكاناتِ ولَمْ يَبقَ إلا قُدرةُ اللهِ -جلَّ وعلا- ولُطْفُه، فأَمْرهُ نَافذٌ، وصَدَقَ اللهُ العظيمُ: (وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ)[الرعد: 11]. تتقلّب حياة الإنسان ما بين أوقات الخير المتطلبة للشّكر والحمد، وأوقات الشر والابتلاء والمحنة المتطلبة للصبر وقوة البأس والثبات، لذا كانت صفة الصبر واحدة من أعظم وأجل الصفات التي أكد عليها القرآن والسنة الشريفة.
إن محنة كورونا المؤلمة التي تضيق منها النفوس البشرية، وأوقفت نبض الحياة فلم تعد الحياة حياة  لقد توقف كل شيء: المساجد، المدارس، الأسواق، المجمعات والحدائق. 
فالنعم  إذا فُقدت عرفت، كما إنها محطة تقف عندها البشرية متأملة ومراجعة لنفسها، فتصحح مسارها وتقر بخطاياها.. فتتوب لربها، وتتفجر الطاقات في كافة الجهات الطبية والأمنية والتعليمية والاجتماعية والدينية لتسخر جهودها بشكل متناغم ومتكامل للقضاء على هذا الوباء  بهدف استمرار الحياة.
محنة كورونا هي منحة في ثوب محنة، تسببت في توقف الحياة كما هو في الظاهر، ولكن في جوهرها هي الصدمة  الكهربائية التي تستخدم لإنعاش العقول بالوعي، ولتعديل السلوكيات سواء الصحية أو الغذائية على المستوى الشخصي أو الجماعي، وتصحيح العادات الاجتماعية، وتغير أنماط الحياة السلبية التي اعتاد عليها الإنسان لسنوات،
ان البشرية ستقدر بنهاية المطاف في القريب الاتي من السيطرة على وباء كورونا، ولكن من المحقق ان عالم ما قبله لن يكون عالم ما بعده، والاول لم يكن منصفا بالعدل والانصاف في ظل رأسمالية وحشية مقيتة، وفي ظل انظمة حاكمة تسرق الدولة بكامل مواردها وثرواتها، والشعوب ترمى في جهنم من نار تحرق الاخضر واليابس،
 لهذا لابد من تغيير بالعقول والنفوس والوجوه لإعادة التوازن الى العالم الراهن المفجوع، ولابد من اعادة التفكير بالنظام المالي والاقتصادي والانتاجي العالمي، ولابد من تقليل الفوارق بين الدول والشعوب الغنية والفقيرة،  ولابد من اعادة اعتبار للعدل والمساواة، 
كورونا تهدد قوى الانتاج الاقتصادي ،ولا علاقة لها بقوة او ضعف مؤسسات الدولة مثلا ، ولا بالتشريعات ولكن علاقتها بقوة اجراءات الدولة وتماسكها وقوة التخطيط باستخدام القوات العسكرية والامنية في ضبط الشارع ،
 وقوة الصحة الرسمية في تقصي الوباء وفرض اجراءات العزل ، وقوة قانون الطوارئ والممكن أن تصل الى الاحكام العرفية ومن بعد قوة الحكم العسكري وفقا للتدرج حسب الحاجة الاضطرارية وتطور الوباء
كورونا سيدخل التاريخ ،ونستعد لتدوين كل الاحداث ،في مرحلة صعبة رغم اننا لا نواجه تهديدا لأرض او سيادة، بل هو  تهديد للنفس البشرية ، وشعرنا انه فعلا هو الاخطر، وبرزت قيمة الانسان التي تقدمت على كل الاولويات ،وعلى مدى اسبوع تراجعت كل قضايا المنطقة وبرزت مسألة خطر الكورونا الذي لا يعرف الجنس ولا الدين ولا اللون ولا الاصل ،ولا يميز بين العدو والصديق . 
وكأن الكورونا تحمل رسالة جديدة للبشرية ،رسالتها تقول : افيقوا ايها العالم فهناك الاخطار الاقوى من قصة مياه وحدود وصراعات اقليمية ،توحدوا وتوجهوا الى سلام البشرية وسلام الحق والعدل ..
فهل سينجح كورونا فيما فشل فيه الإنسان سابقا في حواراته ودعواته وشعاراته وندواته ولقاءاته واجتماعاته ومؤسساته؟ هذا ما نتمناه بأن يكون كورونا هو الشر الذي ينجب الخير أو كما يقال “يولد الخير من بطن الشر”.
 مع أن الإنسان يشعر بالتأثر والحزن والعبرة عندما يقارن وضع مدن العالم ـ التي تستقبل وتودع الملايين يوميا ـ قبل عدة أسابيع واليوم، ويتساءل: هل ستتمكن من مداواة جروحها وآلامها واستعادة ألقها وصخبها ونشاطها وحراكها وقوتها الاقتصادية والسياحية والثقافية، فتعود كما كانت سابقا؟
 أكدت أزمة كورونا كذلك أنه كلما كان اقتصاد الدولة قويا متعدد الموارد ومؤسساتها التعليمية والصحية متقدمة ناجحة تمكنت بكل اقتدار من تجاوز أزماتها الداخلية والخارجية.
فما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من أزمة كورونا؟
أولاً: ضرورة التسلح بالعلم والمعرفة؛
 فالأزمات والمحن الصحية والاقتصادية وغيرها لن تتوقف، فلا أزمة الديون هي آخر الأزمات الاقتصادية ولا فيروس كورونا الجديد سيكون آخر الفيروسات القاتلة ولا الحرب العالمية الثانية كانت آخر الحروب الكونية. 
فهذه سنة الحياة كلما تقدم الزمن بالبشرية وتطور العلم والتكنولوجيا، كلما ظهرت أزمات وتحديات أكثر خطورة لم تواجهها البشرية من قبل.
 الأمر الذي ينبغي أن نكون معه أكثر جاهزية وقدرة على مواجهة أي تحد أو أزمة وذلك من خلال التسلح بالعلم والمعرفة، وهذا يتطلب ان نخصص جزءا من الموازنة لدعم البحوث والدراسات الخاصة بمواجهة الأزمات أو الأوبئة التي تهدد البشرية. 
يا ترى كم ستكون الاصابات والخسائر البشرية والمالية لو كانت المحطة الأولى لتفشى فيروس كورونا في دولة فقيرة لا تملك امكانات الصين؟
ثانيًا: الاستثمار في الصناعات الدوائية آن تفشي هذا الوباء ونتائجه الكارثية يعني أن الصناعات الدوائية والخدمات العلاجية ستبقى من أهم القطاعات والصناعات في العالم، وأن الطلب المحلي والعالمي على الدواء والخدمات الصحية لا يمكن أن ينخفض، ما يعني ضرورة العمل على تشجيع الاستثمارات في هذا القطاع الاستراتيجي.
ثالثا: فن إدارة المخاطر وسرعة التكيف مع الأزمات؛
 لقد كشف فيروس كورونا أننا لا نمتلك الخيارات البديلة في عملية مواجهة الأزمات؛ فعملية تحليل المخاطر المحتملة أو تلك التي وقعت فعلًا ينبغي أن تكون فعالة وقادرة على معرفة الخسائر المادية وغير المادية وذلك لاتخاذ الإجراءات والقرارات المناسبة للقضاء على تلك المخاطر أو التخفيف من حدة الأضرار الناجمة عن وقوعها. فعلى سبيل المثال أوقفنا التعليم في جميع المراحل التعليمية
 وقد يستمر حتى نهاية العام الدراسي، إلا أننا نفتقر إلى وسائل بديلة للتعليم المباشر فبالرغم من انتشار الشبكة الإلكترونية في جميع مناطق الدولة بالإضافة إلى العديد من الدورات التدريبية التي أعدت لتأهيل المعلمين، فإن مدارسنا وجامعاتنا وطلابنا غير مهيئين بعد للتعليم الإلكتروني. رابعا: أهمية تطوير المرافق والخدمات العامة؛
 فهي تلعب دورا محورياً خلال الأزمات، إذ هي الملجأ لجميع المواطنين عند حدوث المحن والمخاطر. لقد رأينا كيف استردت المستشفيات الحكومية مكانتها وأهميتها خلال الكارثة الصحية التي نمر بها بعد أن حكم عليها البعض بالموت واتهمها بالضعف وعدم الفاعلية.
فقد أدركت الان  - عمليا - كيف يمكن للبلاء الرباني وبأضعف جندي من جنده أن يكون خيرًا للبشرية لا شرًا لها.. فلا تلعنوا كورونا لأن البشرية بعده لن تكون كما كانت قبله إطلاقا!".