الجمعة 19 أبريل 2024
توقيت مصر 03:08 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

تمكين الشباب ضرورة وطنية

محمد الخضيري
هناك قصة حقيقية تحكي عن "خبراء – كبار" في مجال صناعة العصائر حول العالم، وكان اجتماعهم ينحصر في عملية اختيار بين نكهات العنب الإسباني والعنب الأمريكي، واستمرت محاولات التذوق دون نتيجة تحسم الموقف، حتى جاء خبير شاب جلس بجانبهم وطلب أن يتذوق مثلهم، وقف الشاب أمام لوحة الشرح وبدأ يكتب لهم بشكل مذهل عن الفروق بين النكهتين، ثم قام باختيار العنب الأمريكي وقد أثبتت الأبحاث لاحقاً حسن اختياره، مما جعل "الخبراء العواجيز" يتعجبون من سرعته في اتخاذ القرار وقوة إقناعه وقراره السريع، والحقيقة أنهم لا يعلمون سر فشلهم في التقييم والذي يكمن غالباً في " جمود أفكارهم وخبرتهم العتيقة التي لا تتزحزح عن أنماط قديمة"، وكونهم أيضاً لا يعيشون الواقع الذي يعيشه الشاب، فهؤلاء الخبراء لديهم أدوات وأفكار عفى عليها الزمن، أما هو فلديه الأبحاث الجديدة والأدوات الحديثة لمواكبة للتطور في مجال عمله.
هذه القصة تظهر جانب من الإنحياز الفطري للكبار، لذلك هم يبدأون كل شىء وتكون لهم الأولوية في اتخاذ القرارات المصيرية، وهو أمر ربما طبيعي، ولكن يبدو في التفاصيل ضرورة ملحة لعنصر الشباب، فالشباب الأكثر فاعلية، ولديهم معايير حاضرة تختلف عن معايير "العواجيز" ، ولابد من تواجدهم في الصدارة.
"الدول الناضجة" انتبهت لهذا الأمر خلال العقد الأخير، فتجد خبراً تلو الآخر عن وزراء ومسؤولين جدد في العشرينات والثلاثينات، يتم تنصيبهم في مواقع حكومية مرموقة في أوروبا، وكأنها رسالة توبيخ للدول التي أهملت الشباب وهمشت وجودهم، وكأنها رسالة اعتذار تاريخية تتأسف على (الحصار) الذي لحق بأجيال سحقتهم تلك الأفكار البالية وحطت من قدرهم وألجمت مواهبهم وحدت من إبداعهم، فهذه الأمم الراقية "إلى حد ما" تقدم جيلاً من الشباب يحمل صرخة مدوية ضد "التهميش" في ظل صخب عالمي وصراعات بشرية معقدة.
هي رسالة صريحة للدول التي لم تنضج بعد، ومحاولة إلحاح مقنعة لصنًاع القرار في بلادنا تقول (البركة بالشباب)، فلا مجال للتقدم دون قرار وتنفيذ من الشباب، ولابد من إقحامهم في مراحل (التفكير والتخطيط) و(الإدارة والتنفيذ).
الآن..  لا تجد دولة عربية واحدة ذات توجه شبابي سوى الشقيقة "الإمارات العربية" التي تحاول مواكبة التطور الإداري في العالم، ولكنها لم تغامر بعد وتمكنهم من الوزارات السيادية، وللحق أقول بأن التمكين الإماراتي الجرىء ما زال ينازع داخل شرنقة العادات والتقاليد العربية، وكذلك الحال مع التجربة الجزائرية في تمكين الشباب، أما الأخبار الواردة من أركان الكرة الأرضية.. ستجد فيها الشاب "سباستيان كورتس" الذي عين كوزيراً للخارجية في النمسا وهو لم يتخطى 27 عاماً، والشاب "غبريال يكستروم" 29 عاماً وزيراً للصحة والرياضة بالسويد، والفرنسية "نجاة بلقاسم" وزيرة حقوق المرأة في فرنسا، بالإضافة إلى "ماثيرو رينزي" رئيس وزراء إيطاليا والذي لم يتجاوز الــ 39 عاماً.
وإذا أراد أحدهم أن يتحدث عن الخوف والقلق من "تمكين الشباب" في بلاد العرب فإني أدعوه بأن يدقق قليلاً في الواقع الإداري والتنفيذي في بلادنا، وسيجد أن أغلب قضايا الفساد والتجاوزات لا تأتي من الشباب، ويبقى المحك الرئيس لحسم هذا الأمر في قرار استراتيجي لتمكين الشباب، والذي لابد وأن يفتح ويمهد الطريق ويعطيهم كل الوسائل والأدوات المتاحة ويتم توظيفهم في الأماكن التي ينبغي أن يكونوا فيها، وذلك حتى يتمكنوا بشكل لائق من استغلال قوتهم العضلية والعقلية على الوجه الأكمل والأفضل.. والله من وراء القصد.