الجمعة 19 أبريل 2024
توقيت مصر 20:15 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

في الصحافة والحياة..

في بلاط نبيلة عبيد (٤)

كانت مكالمة نبيلة عبيد مع جعفر عباس ودية للغاية. شكرته على مشاكساته التي يذكرها فيها وأخبرته أنها تتمتع بقلمه الساخر ولغته اللطيفة، وحملته شكرها لأم الجعافر على تحملها له، ثم ضحكت ضحكتها الشهيرة.
كان لهذه المكالمة وقع طيب على أبو الجعافر، حدثني عنها مبتهجا، لكنه لم يكن يعلم أن نبيلة تخبئ له مفاجأة مدوية.
أيام قليلة وجاءني الزميل الصحفي القدير عنتر السيد بمقال من نبيلة عبيد عنوانه: لماذا أكره جعفر عباس؟!
مقال بقلم نبيلة عبيد؟!.. سألت عنتر مستغربا.. هل تملك نبيلة ملكة الكتابة، أم كتبه لها أحد أصدقائها الصحفيين؟. 
والحقيقة أنني قرأت مقالا مكتوبا بصياغة جيدة وشبه محترفة تحمل مزيجا من السخرية  والثقافة. 
راح عنتر بخبراته في الكتابة الفنية يشرح لي أن نبيلة عبيد كانت نجمة سبع أو ثماني روايات كتبها الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس، وكانت تجلس معه قبل تحويل تلك الروايات إلى أفلام على شاشة السينما، بعضها أفلام سياسية، وكان عبدالقدوس يختار لها أحيانا بعض الروايات التي تناسب شخصيتها وإمكانياتها، فهل يمكن لكاتب سياسي وروائي في حجمه وزمانه أن يعطي وقتا لممثلة لمجرد أنها ممثلة. لابد أنها استفادت ثقافيا من هذه الروايات والجلسات، ومن روايات نجيب محفوظ التي مثلتها أيضا.
وحتى لو تكن كتبته بنفسها، فما ورد في المقال هو أفكارها التي أملتها كمادة خام على من كتبه، وأقرته بعد ذلك، وربما استبعدت ما لم يعجبها.
وقد استقبلتني الفنانة برلنتي عبدالحميد في شقتها المطلة على النيل بالعجوزة بعد كتابيها: المشير وأنا، والطريق إلى قدري.. إلى عامر، وطلبت منها بخبث أن تكتب لي إهداء على الكتابين اللذين أعطتني نسختين منهما رغم أنني كنت اقتنيتهما وقرأتهما قبل أن أجلس معها.
كتبت برلنتي الإهداء  بقلم غير مرتبك ، وطوال ساعتين كان ذهنها حاضرا بأفكار الكتابين كأنها فرغت لتوها من قراءة سيناريو فيلم ستقوم بتمثيله.
استرجعت معها ما كانت تنهله من مكتبة زوجها المشير عبدالحكيم عامر كما ورد في مذكراتها في أحد الكتابين، خصوصا قراءتها لكارل ماركس. وبخبث أيضا رحت أسألها عنه، فكانت حاضرة بالمعلومات مثلما كانت حاضرة في معرفة قيمة الوثائق التي احتفظت بها واستندت إليها.
في النهاية خرجت بأن الكتابين بسياقهما التاريخي من وجهة نظرها، ليسا مجرد ثرثرة نسائية عن أحداث عايشتها كزوجة لأقوى رجل في مصر في مرحلة معينة.
الشيء الوحيد الذي ظل يربطها بوظيفتها كممثلة هو الأنثى بداخلها، فلا تريد لأحد أن يراها بغير وجهها الذي عرفها به الناس في شبابها عبر أفلامها المختلفة.
بعد عدة سنوات كنت أعمل في قناة العربية في دبي وجاءت ذكرى هزيمة يونيو، وأراد مذيع شهير أن يجري لقاء معها، وأعطيته رقم تليفونها، ثم جاءني يطلب وساطتي فقد رفضت بإصرار مستغرب.
وعندما كلمتها قالت لي إنها تقبل أن يحاورها تليفونيا وترفض أن تظهر على الشاشة، والسبب الذي أسرته لي أنها لا ترغب في هذه السن أن يكون ذلك آخر عهد الناس بها.. وانتهى الأمر.
أما إعتماد خورشيد فقد زرتها في منزلها بصحبة الصحفي الأستاذ أسامة عبدالحق عقب الجدل الذي أثاره كتابها عن صلاح نصر، وهذه المرة خرجت بتصور أنها حكت وهناك من استمع لها أو سجل ، ثم استخدم مهاراته كصحفي في إضافة بهارات الإثارة !
نشرت المجلة مقال نبيلة عبيد "لماذا أكره جعفر عباس” على صفحة كاملة. عندما وصله المقال كان مريضا في المستشفى. ربما هي المرة التي أجرى فيها عملية البواسير.
وصله المقال بطريقة عجيبة كما كتب هو فيما بعد، فقد دخلت عليه ابنته مروة وأمها ومعهما المجلة مفتوحة على مقال نبيلة وعلى وجهيهما الشماتة.
استهلت نبيلة عبيد مقالها: أحيانا تقول المرأة أنا أكرهك، وهي تقصد العكس تماما. والحقيقة أنني أود جعفر عباس وأود أيضا الست الفاضلة زوجته أم العيال.
وقالت إن الست أم عيال جعفر أثبتت أنها حكومة ديمقراطية فهو يتكلم في مقالاته بجرأة غريبة عن حبه للحسناوات وإعجاب الحسناوات بسمرته النوبية النيلية، ويتكلم بشجاعة تفوق الوصف عن حبه لي وأمنياته الدفينة في صدره بأن يظفر يوما بالزواج مني.
واستطردت: أنا مستفزة من هذا النوبي الأسمر الذي يتسلح بثقافة كبيرة ولا يكتفي بهذه الزوجة الفاضلة، لا يريد إلا أن يظل على صهوة جواده ليلفت نظر حسناوات الغرب وقبلهن نظري أنا.
أقول لأم العيال أنا بريئة من مغامرات هذا الفارس الأسمر، وليتك تتخلين عن ديمقراطيتك وتسحبين هامش الحرية الذي تمنحينه له. ما رأيك في هذا التحريض يا جعفر؟ 
أتذكر مكالمتنا التليفونية؟ لأنني معجبة بك فقد استمتعت بثقة بكل كلمة قلتها لي، فقد نصحتني ألا أقبل بالعريس الذي يقيم في لندن منذ 30 عاما.
كتب أبو الجعافر عن ذلك المقال الذي قرأه في المستشفى: اقتربت مروة مني ورفعت أمام ناظري قصاصة قرأت عليه عبارة: «لماذا أكره جعفر عباس» فحسبت بادئ الأمر أنها قامت بإعداد وإخراج تلك القصاصة باستخدام الكومبيوتر لتداعبني، ولكنني لمحت إلى جانب العبارة صورة الست نبيلة عبيد، فأدركت أن مروة وسعت نطاق تحالفاتها ضدي.. ثم بدأت زوجتي التي هي في الوقت نفسه أم مروة في قراءة مقتطفات مما كتبته بنت عبيد في عدد ذلك الأسبوع من مجلة «المجلة» التي كنت أكتب فيها مقالا أسبوعيا. واختتمت القراءة بقولها: نبيلة طلعت بنت أصول.. مش زيك يا أبو رقع وكلاكيع… كانت المجلة تحمل مقالا من صفحة كاملة بتوقيع نبيلة عبيد تعلق فيه على رغباتي المتكررة في الاقتران بها على سنة الله ورسوله، ورغم البكش والدبلوماسية في المقال فقد غدرت بي بنت عبيد، لأنني «تهزأت» من قبل زوجتي ومروة.
وهكذا انتهت مغامرة جعفر عباس في بلاط نبيلة عبيد.