الجمعة 29 مارس 2024
توقيت مصر 03:17 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

ماكرون والإسلام .. حين يسكن الوهم فى الكابوس

والوهم هو أن (الاسلام يمر بأزمة فى كل العالم) أما الكابوس فهم أن عدد المسلمين يزداد فى فرنسا بشكل مطرد الاحصائيات تقول أن أكثر من 3600 فرنسي يعتنقون الإسلام سنويا (فرنسا بها7 مليون مسلم فرنسى) ويٌتوقع أن يمثل المسلمون ربع سكان فرنسا بحلول 2025م..ما يحدث ليس فى فرنسا فقط بل فى أوروبا والعالم كله .. كما ذكرت(الجارديان) نقلا عن مركز(بيو للأبحاث)المتخصص في الإحصائيات الديموجرافية والذى ذكر أن الإسلام ينمو بشكل أسرع من باقي الأديان ما سيمنحه الريادة عالميا سنة 2060 ( 3 مليارنسمة) و حسب تسريبات ويكليكس(تأسست عام 2006م) توجد برقية سرية استمدت معلوماتها من تقارير سرية للمخابرات الفرنسية تحذر من أن الإسلام آخذ في الانتشار بين مختلف فئات المجتمع الفرنسي بما فيها القوات المسلحة .  

**** 

تقول الحكاية أنه فى ذروة الحرب العالمية الأولى(1914 – 1918م) جندت فرنسا إجباريا عددا كبيرا من المسلمين من مستعمراتها الجزائر والمغرب وغرب أفريقيا ( 175000 مسلم) وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى أصدرت فرنسا قانونا ببناء مسجد ومعهد إسلامي في باريس عرفانا منها لتضحياتهم في الدفاع عنها.  وتم ذلك في حفل رسمي عالمي سنة 1926 م ..كما تم عام 1920م استجلاب ما يقرب من 14000 عاملمن المغرب والجزائرولإعادة الاعمار ..وما بين عامي 1940 و1945 كان يصل الى فرنسا شهريا 10000 عامل. بعد الحرب العالمية الثانية تزايد عدد المسلمين بدرجة كبيرة و في خمسينيات القرن العشرين أصبح المسلمون يشكلون في فرنسا واقعا اجتماعيا وسياسيا واضحا.. ومنذ الستينيات اصبح الاسلام الدين الثاني في فرنسا بعد الكاثوليكية وقبل البروتستانتية واليهودية .. 

**** 

 يقولون أن حادثة صحيفة تشارلي إبدو(يناير 2015م) مفتعلة من الاستخبارات الفرنسية.. ومن يومها وتسعى الحكومة الفرنسية للاستفادة من الحادثة بأقصى قدرممكن _نتذكر المسيرة المليونية  فى باريس والتى شارك فيها 50 من زعماء العالم _ وتسعى  الأجهزة العميقة فى فرنسا إلى توحيد الشعب وتحصينه ضد انتشار الإسلام الطريف أن الموضوع أتى بنتائج عكسية إذ ازداد عدد من يعتنقون الاسلام..فى سبتمبر الماضى أعادت المجلة نشر الـ 12 صورة للنبى الكريم صلى الله عليه وسلم ..وبعدها حدثت عملية طعن فى الشارع الذى تتواجد فيه ادارة المجلة ..بعدها صرح وزير الداخلية بأن فرنسا فىحالة حرب مع الارهاب الاسلامى ..ويقال أن المتهم _من أصل با كستانى_ وكان على صلة سابقة بالاستخبارات الفرنسية . 

**** 

فَضيلة شيخ الازهر أ.د/ أحمد الطيب عبر فى تغريدة على تويتر عن استنكاره وغضبه الشديد من هذا الوصف(الارهاب الاسلامى) .. وأصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بيان ردا على تصريحات ماكرون بأن الاسلام فى أزمة عالمية قال فيه: إن ماكرون وجه اتهامات باطلة للإسلام ولا علاقة لها بصحيح الدين الذي تدعو شريعته للسماحة والسلام بين جميع البشر حتى من لا يؤمنون به وأن تصريحات الرئيس الفرنسي تنسف كل الجهود المشتركة للقضاء على العنصرية والتنمر ضد الأديان وأن تصريحات عنصرية مثل هذه من شأنها أن تؤجج مشاعر ملياري مسلم .. وقوله (الانعزالية الإسلامية) يحوى خلط معيب بين حقيقة ما تدعو إليه الأديان من دعوة للتقارب بين البشر وعمارة الأرض وبين استغلال البعض لنصوص هذه الأديان وتوظيفها لتحقيق أغراض هابطة. 

**** 

المؤرخ وعالم الاجتماع الفرنسي المعاصر جان بوبيرو (79 عاما)له كتاب هام عن العلمانية فى فرنسا بعنوان (العلمانية الزائفة) ترجمه د/عبد الله المتوكل وصدر عن دار نهوض للنشر(كويتية) عام 2012م  تحدث فيه عن  الحاجة إلى الحفاظ على قانون 1905 م الذي وضعه المؤرخ جان جوريس (1859 -1914 ومات مقتولا) كلبنة أولى لتأسيس العلمانية  لتكون حل عملي للفصل بين الدولة والدين .                                                       

يقول بوبيرو :(العلمانية الجديدة) الأن في فرنسا تتناقض كليا مع روح العلمانية الفرنسية .. وذكر أن فرنسا تعيش ردة سياسية بعد استغلال اليمين لها حول(صناعة عدو)الاسلاموفوبيا .. لتمرير مغالطات وتمويهات تهدف لتسويق خطاب الترويع والحقد .. وهو ويدعو الى التشبث بـ(العلمانية التاريخية) بدلا من الاستسلام لدعاة العلمانية الجديدة ..لأن الأمر يتعلق بتزييف للتاريخ وبتحوير لروح التشريع الفرنسي العلماني .. 

وهو ما يهتك حقوق الأقليات الدينية ويدعو لكراهية الأقليات الدينية ما يضرب بعرض الحائط بكل مكتسبات الجمهورية العلمانية.. وذكر أن النقاش العنيف حول الحجاب مثلا أو ارتداء الرموز الدينية في المدارس والجامعات عموما ينعكس سلبا على نفسية الأقليات الدينية وعلى وضعها الاعتباري في الوظائف وينشر الحقد المتزايد بين مكونات المجتمع الفرنسي مما يغذي نظرية(انشطار المجتمع) وضرب الوحدة الاجتماعية والرابطة الروحية للأفراد. 

**** 

ماكرون(43 عاما) وأصغر رئيس فى تاريخ الجمهورية يقدم نفسه كسياسى مثقف ومتفلسف وله كتاب بعنوان(الثورة) صدر عام 2016م ..وهو يتباهى بأنه تلميذ الفيلسوف الفرنسى بول ريكور(1913 -2005) ويعتمد على أساليب وطرق ملتوية وله علاقات مريبة ومتشعبة بدأت بعمله فى بنك روتشيلد ومعروف عنه نجاحه فى إتمام صفقة استحواذ بين شركة نستلا وشركة فايزر أخذ فيها ما يقرب من 3 مليون يورو.. 

ويشير الفيلسوف الفرنسى ميشيل اونفرى(61 عاما) الى أن ماكرون إبن(الحكومة العالمية)لنخبة تعرف ما يجب فعله ضد الشعوب التي جعلوها حمقاء ..أولئك الذين يتهمونها بالحمق لمصادرة سيادتها .. وتفرض هذه الحكومة العالمية الفقر و البؤس الذي نسمع صوته في حركة(السترات الصفراء) هذا الشعب الصغير الذى يطلب الرحمة من أولئك الذين يستغلونه ويذلونه ويصادرون كرامته وسيادته وينهبونه ويفرضون عليه الضرائب ويهينونه منذ عقود من ممارسة سلطة مطلقة.  

**** 

تصريحات ماكرون الأخيرة تجاه الإسلام والحجاب وصفها محللون في العالم أجمع وفي فرنسا بأنها تنافي مبادئ الدستور الفرنسي والدساتير الأوروبية التي تؤكد على حرية الاعتقاد والأفكار والملبس .. بل وتمثل اعتداءا سافرا وتحريضا على العنف بحق مئات الآلاف من المسلمين في فرنسا وأوروبا وبثا للعنصرية في التعامل مع الآخروتحويل العلمانية إلى أداة للتمييز ضد المسلمين. 

**** 

جون ميلونشو زعيم حركة (فرنسا الأبية)حذر هو الأخر من الأيديولوجية الماكرونية  وقال أن ماكرون خدع المجتمع الفرنسي وكان غامضا وغير واضح أثناء حملته الانتخابية  تجاه القضايا الداخلية والخارجية.. والفرنسيون صوتوا له لمنع وصول المتطرفة مارين لوبان التى وصلت الى الدور النهائي معه فى انتخابات2017م ..وقال تعليقا على تصريحات ماكرون الأخيرة :إن المشكلة في بلادنا ليست فى (الإسلام)بل السياسيات الاقتصادية العرجاءالتى يطبقها ماكرون. 

ماكرون لم يستفد من الفلسفة التي درسها..ماكرون يتنكر لكل القيم والمبادئ الإنسانية النبيلة التي ينشدها الفلاسفة والمفكرون.