الخميس 28 مارس 2024
توقيت مصر 22:10 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

الأدب الوبائ بين أمس واليوم

معراج أحمد معراج الندوي
في الوقت الذي ينتشر فيه فيروس كورونا حول العالم من مشارق الأرض ومغاربها ويهدد الحياة البشرية كلها، نعود إلى ما أنتجه الأدب من أعمال تتحدث عن اجتياح الأوبئة للعالم، وتوقعات الروائيين الخيالية التي ربما تتطابق بشكل ما مع ما يحدث في العالم في وقتنا الحاضر. 
يمثل الأدب الوبائ انعكاساً حقيقياً لهشاشة الإنسان، وهو لا يقلّ أهمية عن أي نوع آخر من الأدب الحقيقي. الأدب الوبائ كان موجوداً في كل أدب من الآداب العالمية، لأن العالم شهد الأوبئة في زمن من الأزمة في الماضي والحاضر. وإن ما يميز أدب الوباء، الطاعون والجائحة هو الالتزام باكتشاف إن لم يكن نوعاً من التفسير فإنه نوع من المعنى المستخرج من التجربة الحية للذعر، الرعب واليأس. 
لقد اخذ الوباء مكانا متميزا في الأدب العالمي والتراث الأدبي العربي، لقد تناول الكتاب والأدباء الأوبئة والأمراض على مدار التاريخ وحتى يومنا هذا في أعمالهم الأدبية من أفلام الإثارة التي تثير آمالنا ومخاوفنا إلى الروايات العميقة والشعرية التي تكشف عن حالات الإنسان الأليمة. 
قبل انتشار فيروس كورونا كان موضوع الوباء موضوعا تقليدا أدبيا مبثوثا في التاريخ الأدبي، وتناول عدد من الروائيين والشعراء قصصا إنسانية تتراوح بين الألفة والفراق ومشاعر من فقد حبيبه بالوباء، وكذلك المحاصرين في الحجر الصحي أو الخائفين من العدوى أو الفارين من الموت. 
مع ظهور فيروس كورونا، عادت بقوّة إلى الواجهة بعض روايات الأوبئة القديمة، لأنّه تبيّن للجميع أنّ هذا النوع المستجدّ من الأنفلونزا ليس أقلّ فتكاً من تلك الأوبئة المتخيّلة. من هذه الروايات، مثلاً، رواية الكاتب الأميركي دين كونتز «عيون الظلام». صدرت هذه الرواية في عام1981، وفضلاً عن كونها رواية من روايات الرعب، فأحداثها تتشابه مع أحداث الواقع الراهن بشكل مثير للدهشة. إذ رغم أنها كُتبت قبل 39 عاماً فإنها تفاجئ كلّ من يطالعها بقدرتها الرهيبة على التنبؤ بالمستقبل.
فقد انتشرت الروايات حول الفيروسات والأوبئة على نطاق واسع خلال القرنين الماضيين. وهناك عدد كبير الأمثلة من الشهادات الحقيقية لدانيال ديفو في "مجلة الطاعون" إلى الأعمال الكلاسيكية الحديثة، مثل "الطاعون" لألبير كامو. "الحب في زمن الكوليرا" لغابرييل غارسيا ماركيز في أغلب الروايات التي تناولت الأوبئة كانت القصص الإنسانية عناوين جانبية تحت عنوان رئيس هو اسم الوباء، لكن الروائي نوبل غارسيا ماركيز جعل الحب محور روايته، حب معتق لم ينل فيه الحبيب بغيته إلا بعد عشرات السنين. 
إن رواية "نهاية العالم" نالت شهرتها مما يحصل هذه الأيام مع فيروس كورونا، وهي رواية كتبها عبقري الرّعب ستيفن كينغ عام 1978. في هذه الرواية، تبدأ نهاية العالم من شيء تافه وبسيط مثل الإنفلونزا لكنّها ليست إنفلونزا عادية، إذ تمّ تعديل هذا الفيروس في المختبرات العسكرية السرّية ليصبح سلاحاً بيولوجياً فتاكاً. تصف الرواية خطوة بخطوة كيف ينهار المجتمع ويصبح شبيهاً بغابة، وكيف يرتقي النّاس المحصَّنون ضدّ المرض إلى مرتبة الآلهة الصغيرة.
لم يهتم الروائيون والأدباء وحدهم بالأدب الوبائي، بل كان للشعراء نصيب وافر في الاتخاذ موضوعا للتعبير عن مشاعرهم وآلامهم. وكان لألم المرض نصيب كبير كما في أشعار العراقي بدر شاكر السياب، والمصري أمل دنقل، والسوداني التجاني يوسف بشير وغيرهم، وربما تتغير نظرة الكاتب للألم باقترابه منه كما فعل الكاتب المصري الراحل سيد بحراوي في كتابه "مديح الألم" حين قال "انشغلت بموضوع الألم وشغفت به نحو عام، قبل أن أبدأ علاج السرطان، ثم توقفت إجباريا، لكن بعد انتهاء العلاج المؤلم أعود إليه، أريد أن أمجده باعتباره قرين الحياة، فلا حياة بلا ألم".
خرجت  من حيز التفكير إلى حقيقة الوجود الكثير من القصائد والقصص والروايات من رحم المعاناة الإنسانية، ومن أشهر القصائد التي كان الوباء موضوعها قصيدة "الكوليرا" للشاعرة العراقية الراحلة نازك الملائكة، والتي نالت شهرتها بسبب فني، حيث رأت نازك أنها اخترعت حينها الشعر الحر، مما جعل شهرة هذه القصيدة تفوق قصيدة الشاعر المصري علي الجارم التي كتبها عندما ضربت الكوليرا مسقط رأسه بمصر في عام 1895م. 
إن موضوعَ الوباء موضوع تقليد في تاريخ الأدب حيث تنوعت الأساليب والأجناس الأدبية من النثر والشعر، ولقد فيروس كورونا من السابق لأوانه الحديث عن أدبه وما يدور في فلكه، إذ لم يختمر بعد في تجارب البشر فهو في بداياته، وما زالت الدول تصارع لاجتثاثه والحد من انتشاره. 
لقد غير الإبداع الأدبي مجرى الأحداث والمشاهد على مر العصور وأطلق العنان لخيال الكاتب أو الشاعر في طرح ذائقته الفنية التي لمست القلوب والعقول لما تمتع به صدق المشاعر ودقة التعبير عن أحاسيس مختلطة في ظل الكوارث والأزمات. 
واليوم يشكل هذا الفيروس كورونا ذاكرة في التاريخ ويضيف بابا جديدا في الأدب الذي يجعل المرء يتفكرّ في فكرة التملك والسيطرة، ومدى اقترابها من الحقيقة أو الوهم. سيكون فيروس كورونا جزءاً من ذاكرة الإبداع الأدبي والشعري ويسجل التاريخ بعد انتهاء الكورونا القيم الجديدة ومعان فلسفية جديدة. 
 
* الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها
 جامعة عالية ،كولكاتا - الهند