السبت 20 أبريل 2024
توقيت مصر 00:15 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

من نتهم ؟ الحجاب .. أم بيوت الأزياء

مثل كثير من الموضوعات التى تم وضعها فى المساحة الخطأ وتحت العنوان الخطأ ثم التفسير الخطأ والتعامل الخطأ .. تم إدراج موضوع(الحجاب)ورغم أنه موضوع شخصى بدرجة كبيرة(باعتبار الدين نفسه مبنى على حرية المشيئة.. من شاء فليؤمن) وموضوع اجتماعى بدرجة أقل..إلا أنه تم طرحه على الساحة العمومية لعموم الحياة !.. وتم توزيعه بتعسف وريبة على كل المجالات.. سياسة واجتماع وثقافة وفن وسينما وأمن و حرية وفلسفة ..الى حد أن جعل البعض يتصور أن ذلك يتم بشكل مقصود ومتعمد وأن هناك من يقف وراء النار يهوى عليها ويمروح لها كلما بدا أنها ستنطفىء .. إذ لا مبرر لها أصلا . 

لكن لفت نظرى أن الموضوع طرح على نقاش من شهور مضت بين فيلسوف ومفكر وباحث صادق عن الحقيقة معروف بأسلوبه المتسم بالجدية والصرامه والتشخيصات القاطعة والوضوح الكامل (آلان باديو) وبين فيلسوف أخر وصفته المظاهرات الأخيرة في فرنسا بأنه حاقد وعنصرى بغيض (آلان فلكنكروت) والذى اخترق الاختراق وأفحم الفحم وقال لباديو أن : الحجاب يجعل من المرأة موضوعا جنسيا فحسب !! . 

**** 

الحاصل أن باديو الفيلسوف الحصيف(أهم فيلسوف فرنسى على قيد الحياة)طور النقاش الى رسالة مفتوحة لعموم البشر وقال فيها :أرجو أن تنوروني ..ما هي العقلانية  والنسوية (تيار اجتماعى يمجد الأنثى)بخصوص ما يمكن أن نكشف من الجسم وما لا نكشف .. ؟ منذ عهد قريب في بلدنا بل وحتى يومنا هذا في صقلية وغيرها ترتدي الأرامل الأوشحة السوداء والجوارب السوداء والطرحة .. والحقيقة أنه ليست هنالك حاجة بهذا الخصوص إلى أن تتخصص فى متابعة ملابسهن . 

آلان باديو(83 عاما) رئيس قسم الفلسفة بكلية الأساتذة العليا بباريس وأصدقائنا اليساريين يعرفون صحبته ونقاشاته مع جيل دولوز وميشيل فوكو.. وله كتاب جميل بعنوان(في مديح الحب)..وهو رغم أفكاره اليسارية يعتبر مؤسسة العائلة والزواج والأطفال نتاجا طبيعيا لمعمار الحب .. والزواج عنده حالة من الوجود الأخلاقي الواعي المرتبط بالتزام تجاه الحياة..وهو يرى أنه بذلك المعنى ممر إلى الحب لا محطة النهاية لرحلته وأن الحب فوق كل شيء بناء يدوم ويستمر..  

**** 

آلان فينكيلكروت(71 عاما) يمثل حالة مليئة بالحقد على الإسلام والمسلمين في أوساط اليمين المتطرف في فرنسا..والرئيس الفرنسى ماكرون الذى زار السيدة فيروز في منزلها أحد أخبث النماذج لهذا اليمين المتطرف. والحقد ليس وصفا من عندى ولكنه وصف (آلان باديو)له ولغيره ممن يجعلون موضوع الحجاب شغلهم الشاغل. والتوصيف المعيب الذى قاله: بأن الحجاب يجعل المرأة موضوعا جنسيا يردده البعض للأسف عندنا ..وواقع الحال أنهم ينقلون مشاعرهم الغريزية في رؤية الأمور..يعنى ستجدهم يمرون على كل موضوع من نفس زاوية النظر.. (الجنس).. وانا لا أنكر على أحد ولا أهتم كثيرا بأحد جعل من(الجنس) لعدسة التى يرى بها كل موضوع .. سيجموند فرويد(1856 -1939م) صاحب أفشل النظريات في التحليل النفسى كما وصفه زملاؤه وتلاميذه كان يرى ذلك. 

لكن هناك سؤال يقفز في وجه من يصف الحجاب بذلك .. وهوسؤال وجيه بالفعل: من الذى جعل المرأة موضوعا جنسيا في الحقيقة؟ ..الحجاب الذى لا يطلعنا من المرأة سوى على إنسانيتها وشخصيتها وعقلها وفكرها وثقافتها ؟ أم بيوت الأزياء(الموضة) التى تطلعنا على المرأة الأنثى بأدق تفاصيلها الجسدية ؟           
الحجاب يقول أنا المرأة(الإنسان)..وبيوت الازياء تقول أنا المرأة(الأنثى)..دعك من أى خلفيات ثقافية أو دينية .. وأنظر للموضوع بعين الحياد والإنصاف ..وقل رأيك. 

**** 

جيل ليبوفيتسكى(76 عاما) مفكر وفيلسوف فرنسى بل أحد أهم فلاسفة فرنسا في القرن الحالى ووهو بالغ الاهتمام بالأمور الاجتماعية وبالنزعات الفردية ونزعات الموضة والاستهلاك المفرط في المجتمع الرأسمالي  الرجل عاصرموجات النسوية ودرس بنفسه مصير كثير من الأطروحات النسوية على الأرض بما مكنه من تقييم التجربة جيدا .. وهو يمثل صوت من قلب الثقافة الغربية وأستاذ الأساتذة فى النقد والتفكيك وإعادة التركيب  كما يصفوه .. وصاحب الدراسات والكتب ذات الشأن المعتبر في الفكر الغربي وخاصة ما يتعلق بهموم الإنسان المعاصر ..  

عرف عالميا مع صدور كتابه الأول (عصر الفراغ) 1983م والذى نقد فيه الحداثة الغربية وما جرته على الدنيا من خراب..لكن كتابه الثانى (مملكة الزائل: الموضة ومصيرها في المجتمعات الحديثة)1987م يعتبر من الكتب ذات الوزن الثقيل وأيضا كتاب (مجتمعات الخيبة) الذى صدر عام 2006م .                        وانتبهت إلي الرجل حين قرأت له جملة في مقال تقول(يجب على المرأة حين تنزل سوق العمل أن تحيد مظهرها الأنثوى كى يتم الأخذ في الإعتبار كفاءتها المهنية) ..قال هذه الجملة الصاعقة في كتابه (المرأة الثالثة) الذى صدر عام 1997م عن المركز القومى للترجمة وترجمته الاستاذة دينا مندور و يعتبره النقاد من أهم الكتب التي صدرت مؤخرا عن الحالة النسائية ووضعية المرأة في المجتمع . 

**** 

يصف المؤلف المرأة الأولى بأنها ربة المنزل ومدبرته..الزوجة والأم..هى كذلك منذ فجر التاريخ وكانت هذه المرأة موضع تقدير في المحيط العائلي والإنساني وهو ما حدد هويتها بشكل رئيسى ..غير أنها كانت مبعدة عن السلطة و لا تمارس السياسة ولا تحارب ولا تتولى الحكم  وليس لها دور خارج حدود المنزل ..ورغم ذلك كانت لها سلطة حقيقية ..حتى وإن لم تتمكن من ممارسة المهام التي تعتبرعند  البعض أكثر رفعة.. 

ويصف المرأة الثانية بأنها المرأة المُحتفى بها وظهرت منذ العصور الوسطى وبرزفيها خطاب التدليل والتوله بها والتغني بجمالها كأنثى من خلال الفنون والآداب والتي تبلورت بشكل رئيس في القرن التاسع عشر..وكان كتابى قاسم أمين(1863 – 1908م) تحرير المرأة .. والمرأة الجديدة في حقيقته مجاراة لهذا التيار.. ورد عليه الزعيم مصطفى كامل وطلعت حرب ومحمد فريد وجدى..كتاب طلعت حرب (فصل الخطاب في المرأة والحجاب)من الكتب المهمة في هذا الموضوع . 

أما المرأة الثالثة فهى التى تتسم بالاستقلالية التامة وهي نموذج جديد يجسد (قطيعة مع هوية المرأة) وفي ظل هذا النموذج خرجت المرأة من مصير معروف (كزوجة وأم و ربة منزل) إلى مصير آخر مفتوح ومجهول ولا يمكن التنبؤ به إلى أين يقود المرأة؟ !! هل تتزوج وتعيش في ظل أسرة أم تعيش مع شريكها خارج مؤسسة الزواج؟ هل تتزوج من رجل أم من أنثى ؟! هل تطلب الطلاق أم لا ؟ هل تمارس جميع المهن والأعمال أم هناك مهن لا تصلح لها ولا للمجتمع ؟ وهكذا ..كل شيء مفتوح وقابل للنقاش والأخذ والرد .. يقول المؤلف : ما نراه الآن يجسد بشكل عميق للغاية قطيعة تاريخية في تشكيل هوية المرأة وأيضا إلغاء الطابع المؤسسي عن العائلة. 

**** 

ويحذرنا المؤلف بصوت عالى للغاية من الإحصائيات المخيفة التي يلوح بها تيار(تمجيد الأنثى)والتى كما يقول يجب ألا تخدعنا..فوراء الأرقام الظاهرية يتوارى(مشروع أيديولوجي)لإعادة كتابة الواقع ..فالتوسع المبالغ فيه لمفهوم الاعتداء الجنسي والتحرش والعنف ..صورة لا تظهر الواقع .. بل تضفي عليه صفات شيطانية وتعريفاتها تتسع لدرجة العبث  لتأكيد ثقافة(المرأة الضحية)فكل رجل مغتصب أو متحرش محتمل ..وكل امرأة هي مقهورة..هذا كلام خطير ونلمسه الأن فى العالم كله(تيار مى تو).. ونلاحظ أنه بالفعل مشروع ايديولوجى تقف وراءه جهات نافذة ..نعم هناك تحرش وإغتصاب لكن الموضوع يتم طرحه بصورة مبالغ فيها و تدعو للتساؤل كما قال جيل ليبوفيتسكى. 

*** 

الاسلام دين الحياة .. له نموذج متكامل للمرأة كونها نصف المجتمع وتعنى بالنصف الأخر..وتكاد تكون تاجا متوجا على رأس المجتمع كله .. بكل صفاتها وأدوارها .. والسيرة النبوية مليئة بمئات المواقف التى تظهر هذا النموذج سواء فى اختلاطها بالمجتمع أو حفظ حقوقها وحريةها وإرادتها..وهو ما كاد يختفى وراء(تقاليد المجتمعات)التى منحها البعض بٌعدا دينيا لا علاقة للدين وشرع الدين وتعاليم الدين به من قريب أو بعيد. 

هناك مشكلة لدى تيار (المرأة /التقاليد / العورة)..وهناك مشكلة  لدى تيار(المرأة /الأنثى/ الموضة).. ونبحث عن المرأة /الإنسان..المرأة فى الإسلام .